موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٩ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
’قربانك لا تقبرني!‘.. كتب بشار جرار من واشنطن عن قرابين هذا الزمان

واشنطن – بشار جرار :

 

معتزًا بكردية وسورية أمي، أستعين بلهجة "الخوال" فأناشد شقيقًا لا أعرفه شرق "النهر العظيم" –الفرات- وأقول: قربانك لا تقتلني. يا لهول ما تداوله متبرعو نقل الأخبار المثيرة وإن كانت مفرطة في إيلامها. الفيديو – الذي لا سبيل إلى التحقق من صحته هو فيديو على الأرجح مفبرك بأصابع آثمة مغرضة. التسجيل يظهر بالصوت والصورة ما قيل إنه إقدام أب على نحر طفله ابن الست سنوات بسيف استأجره ممن يمارسون معه جريمة إيذاء النفس وترويع الناس وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والجهوية والمس بالوحدة الوطنية ووحدة تراب العراق وازدراء الأديان.

 

معتزًا براهبات مدارس المنصورة بالكويت الكلدانيات العراقيات اللواتي علّمنّي الحرف والكلمة اللاتي نصحوا أهلي بتوجيهي نحو مهنة المحاماة، أقول ليتني كنت محاميًا لقمت على الفور برفع قضيتين باسم الحق العام: حق الإنسانية وحق الجيرة على كل من تورط بتنفيذ هذه الجريمة النكراء -إن صح الفيديو- وقضية ضد كل من فبرك ونفخ سمومه في كير الجهل والظلامية.

 

لن أخوض في تلك المناسبة "الدينية والتاريخية" وما يقترف بها من ممارسات يتبرأ منها الحسين وكل "من أحب حسينا"، وعشاقه كيوحنا المعمدان أخيه –قطيع الرأس- في التضحية انتصارًا للحق والفضيلة، لكني لا أتردد في التصدي بلا مجاملة ولا مهادنة ولا مواربة إلى من يدّعون تمثيل الله على الأرض والنطق باسمه وباسم أنبيائه ورسله. هذا واجب "فرض عين لا كفاية" على كل من آمن بأي رسالة من رسالات السماء.

 

أشهد والقلب ينفطر حزنًا وألمًا بالقول: ما هكذا تكون الأبوة والمحبة والفداء يا هذا. فالأب الصادق يفدي أبناءه "بنفسه"، المحب الصادق يفدي حبيه "بكيانه" والفادي الصادق يحب أعداءه "بعينه" ويغمرهم "بقلبه".

 

تبًا لها من حادثة ذكرتني بسابقة مؤلمة أيضا. قبل سنوات كنت ومجموعة من زملائي الصحافيين العرب والأميركيين في قاعة مفتوحة للأخبار وبلا سابق إنذار بثت وكالة أنباء عالمية صورًا تسرعت في بثها لهثًا وراء كسبها سبقًا صحافيًا حصريًا، فكانت تلك المادة العاجلة عبارة عن صور مباشرة لذبح على الهواء لرهينة على أيدي عصابة إرهابية "جهادية تكفيرية". مبرر تلك الجريمة النكراء كان ادعاء الإرهابيين جهادهم المكذوب "لتحرير" العراق و"الدفاع عن العرض والدين". حقًا "لن تلد الحية إلا الحية" وثمار بذار الشر لن تكون إلا شرًا وشرارًا لمزيد من الحرائق التي ما زالت تأكل الأخضر واليابس في بلادنا المنهكة المستباحة بأيدينا. كفانا خداعًا للنفس وللآخر، فمصيبتنا جنى جهلنا وظلمنا لأنفسنا في المقال الأول.

 

أما إن كان الفيديو مفبركًا، فبعيدًا عن الأسطوانة المشروخة إياها القائلة بإن الإشاعات المغرضة آتية من وراء الحدود من جهات خارجية معادية هي سبب بلائنا، أقول إن من أقام بنيان نفسه وأسرته ووطنه على صخر لن تهزه ريح، أما من كانت أساساته رمالا فهبوب الريح سيمحي أثره عاجلا أم آجلا.

 

وبصرف النظر عما إن كان الفيديو صحيحًا أم مفبركًا فإن ناشره أشار إلى مضمونه منددًا بالتساؤل: هل نسمح لهؤلاء –في إشارة إلى الشيعة– إلى أن يتحكموا بمصير اليمن. أما التعليقات فجاءت ردحًا لا دحضًا، شتمًا لا تنديدًا، اتهامًا لا استنكارًا، فيما كانت هويات المعلقين في معظمها عراقية، سورية، لبنانية ويمنية.

 

هذه إذن تعبيرًا وامتدادًا لساحات القتال بين القوى الإقليمية والدولية المتناحرة على هذا الإقليم البائس بعقلية وضمائر المنقادين طوعًا إلى المذبح "الكاذب" لتقديم "قرابين الموت" تباعًا تحت "لطميات" ومسميات شتى. يخوضون حربًا بالوكالة هي أقذر ما في الحروب وكلها باطلة سوى ما كان منها دفاعًا صادقًا عن النفس. حتى هذا الدفاع فيه قولان أحدهما علمنا إياه السيد المسيح معاتبًا صخرًا "بطرس الرسول" عندما قطع أذن الجندي الروماني فقال: من عاش بالسيف، بالسيف يموت. فقام وهو المقاد بأيدي الرومان إلى السجن والجلد والبصق والصلب قام بردّ أذنه إليه وكأن شيئًا لم يكن. اللهم فردّ آذانا لم تسمع وافتح عيونا لم تر، علّنا نرتاح ونفرح ونحيا.. قربانك إلهي..