موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٢ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
’فلاتر‘ السوشال ميديا.. عمليات تجميل رقمية تخدع المراهقين

إسراء الردايدة - الغد :

في الوقت الذي صُممت فيه الفلاتر عبر تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي لتعزيز الصور وجعلها أكثر جمالا وجاذبية؛ تحولت بعد ذلك لأداة تلغي الهوية الحقيقية للفرد، بل تغير بشكل كبير في شكله في سعي منه لاكتساب أكبر قدر من التفاعل والإعجاب من المحيطين.

خبراء يرون أن لهذه الأدوات أثرا سلبيا تغذيه وسائل الإعلام وحسابات المشاهير، بحيث يغدو ما يبث عبر عالم افتراضي هو المعيار لكثير من الفتيات بعالمهن الحقيقي، وحين تتعارض أجسادهن وصورهن لما يرونه، فإنهن يدخلن في حالة من القلق وعدم التقبل للذات.

كما أن هذه الفلاتر تعزز العدوانية والمقارنة الاجتماعية وتلغي الهوية الحقيقية للفرد من خلال الهوس بمستحضرات العناية بالجسد، والبحث عن وسائل لتغيير الشكل كي يتماشى مع ما يشاهده افتراضيا، وتصبح عمليات التجميل حلا بديلا ليشبه أولئك وليس نفسه.

دراسات عالمية

حذرت دراسات مختلفة من أثر السيلفي وتلك الفلاتر، وارتباطها في رفع خطر الاصابة بـ "اضطراب تشوه الجسد"، وانعكاسه على الصحة العقلية والبدنية للمراهقين وحتى الكبار، إذ حذرت الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين من هذا. وبينت أن الاضطراب يندرج ضمن اضطرابات الوسواس القهري، وفيه يشعر الشخص المصاب بقلق مفرط بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، ما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب أو محاولة الانتحار.

وتتمثل أعراض هذا الاضطراب في تدني احترام الذات والعدوانية والعزلة الاجتماعية، والهوس بشكل الجسد وأنظمة الحِمية الغذائية من أجل الوصول إلى الصورة المثالية للمشاهير والنجوم. وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى حد إيذاء النفس ومحاولة الانتحار.

فيما دراسة أخرى نشرت في مجلة "بودي ايمج" عن سلوكيات السيلفي ونشرها عبر الانترنت، وجدت أن الفتيات والنساء بين عمر 16-29 اللواتي نشرن صور سيلفي لهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شعرن بالقلق بشكل كبير وكانت ثقتهن بأنفسهن أقل، وكأنهن لا يملكن الجاذبية، وذلك بعد أن تمت المقارنة بالمجموعة التي استخدمت صورا سيطر عليها "الفلتر"، وجدوا أن الآثار السلبية أقل لمن تحكمن بظروف صورهن وقمن بتعديلها لتبدو أجمل.

كما حلل باحثون في جامعة برمنغهام ردود 1300 من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما في المدارس البريطانية لتحديد موقفهم من مواقع مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"انستغرام". ووجدوا أنهم يشعرون بتعاسة نتيجة الضغط الجديد من الأقران المراهقين مرتبط بالصور الفوتوغرافية ونشرها عبر الانترنت، فإذا تجاهلوا ما يقوم به المشاهير، لن يستطيعوا في الوقت ذاته تجاهل ما ينشره أصدقاؤهم.
لذا تتضاعف فكرة التشكيك بمظهرهم الجسدي لمقارنة أنفسهم بأشكال المشاهير ما يولد لديهم قلة ثقة بالنفس ويضاعف من العداونية وممارسة التنمر بين بعضهم.

أرقام في الإنترنت والسوشال ميديا

ويبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن نحو 6.6 مليون مستخدم بحسب ما نشرته "الغد" مؤخرا. وفي أرقام نشرها تقرير مركز بيو للأبحاث عن ارتفاع نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم في دراسة شملت 39 دولة؛ أظهرت ان نسبة استخدام الانترنت توسع بالأردن بمتوسط 80%، وبلغت نسبة الانتشار بين العمر 18-34 لما يقارب 75%.

ويستخدم نحو 75% من البالغين لمنصات التواصل الاجتماعي، وشكلت نسبة التفاعل عليها 94 %. وتقدر نسبة امتلاك الأردنيين للهواتف الذكية بـ 76 %.

"الفلاتر" لتجميل الشكل والقوام وزيادة الثقة

قالت مراهقات وسيدات لـ "الغد" إنهن يقمن باستخدام هذه الفلاتر وتطبيقات تعديل الصور قبل نشرها، إذ تعتمد لارا (16 عاما) على تعديل صورها عبر السناب شات او انستغرام بسبب البثور المنتشرة في وجهها، مبينة أنها لا تحب أن تظهر كما هو شكلها الطبيعي فهي تشعر بالحرج وبأنها أقل جمالا.

والدة لارا تدرك شعور ابنتها وتدعم ما تقوم به طفلتها، ولكن بالوقت نفسه هي واثقة بأن ابنتها تستطيع أن تميز بين ما هو حقيقي وما هو إضافات تجميلية تستخدمها باعتدال.

زينة (17 عاما) ترفض فكرة اسخدام أي صورة دون تعديل ولو بشكل بسيط بين تنقيح لألوان البشرة او تعيدل درجة لون الشعر، حجم الجسد، وأحيانا اضافات مثل الرموش. وتفضل الفلاتر التي تظهر الشفاه منتفخة والرموش طويلة لأنها تجعلها أكثر جمالا.

والأمر نفسه تكرر مع فتيات أعمارهن في منتصف العشرينيات وحتى سيدات متزوجات اعتبرن أن تلك الفلاتر بمثابة منقذ فوري كي يظهرن بشكل أجمل، في حين أنهن يعانين من التعب نتيجة السهر أو العمل الكثير وحتى العناية بأطفالهن، والفلاتر تجعلهن أكثر جمالا وحيوية وجاذبية.

ومع هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي مثل انستغرام ومسنجر وسناب شات وتطبيقات تعديل الصور المختلفة التي تتوفر على الهواتف الذكية؛ أصبحت هذه المنصات مسؤولا مباشرا بالانفصال عن الواقع لدى الكثيرين. ولأن المراهقين في مرحلة حرجة فإنهم يعتبرون كل شيء متوفر عبر تلك المنصات حقيقي، سيما ما يتعلق بشكل الجسد، الصورة الخارجية وهي التي تروجها ايضا وسائل الاعلام وأحيانا الأسماء العالمية وشخصيات مؤثرة أيضا.

اضطراب تشوه الجسم

بحسب موقع مايو كلينك فإن "اضطراب تشوه الجسم "هو اضطراب عقلي لا يمكنك فيه التوقف عن التفكير في واحد أو أكثر من العيوب الملحوظة في مظهرك، ولو كان عيبا بسيطا أو غير ملحوظ بالنسبة للآخرين. لكنك قد تشعر بالخجل والقلق بحيث قد تتجنب العديد من المواقف الاجتماعية.

اختصاصية علم النفس الأكلينيكي د. هبة عبيدات تبين لـ "الغد" أن هذه الفلاتر وحتى السيلفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تولد مشاكل مختلفة، لأن الغالبية يشاركون تفاصيل حياتهم ويعرضونها بشكل مستمر ساعين وراء الاعجاب، خاصة أولئك الذين يصورون ان حياتهم مثالية لا تخلو من المشاكل، والحقيقة انهم يعانون من تدني احترام الذات، وانعدام الأمان.

وعن الشعور انعدام الثقة بالنفس وغياب الشعور بالأمان بين المراهقين، تلفت عبيدات إلى أنها عاينت العديد من الحالات لفتيات لا يتقبلن شكلهن، ويربطن الأمر بالصور المتداولة عبر منصات التواصل التي تؤثر بهن، حيث أن الشكل الخارجي يمثل قيمة عالية.

وتضيف أنهن يلجأن للمقارنة بين صورهن وبين ما يرونه، فيشعرن بأنهن أقل من مستوى ما يرونه، فتقل ثقتهن بأنفسهن، ويستخدمن الفلاتر ويلجأن لعمليات تجميل رقمية تعزز من الشكل والصورة المتداولة ومعايير "الشعبية".

ومن الاضطرابات الأخرى، بحسب عبيدات، اضطراب الشهية الذي يرتبط بصور المشاهير والأجسام المثالية النحيلة والشعر والعيون الواسعة والبشرة الصافية وكل ما يندرج تحته.

وتذهب عبيدات إلى أن المقارنة الاجتماعية المرتبطة بتلك المنصات تعزز الشعور بالاكتئاب نتيجة عدم مطابقة الواقع بما هو افتراضي، وان النجاج والحياة المثالية ليست حقيقية، ما يضعهن في موقف صعب وشعور بحيرة وعدم رضا عن الذات وميل للوحدة والعزلة احيانا فضلا عن الغيرة.

وتنوه عبيدات لضرورة توعية الفتيات بمرحلة مبكرة بأن العالم الافتراضي ليس حقيقيا ولا يجب تصديق كل ما يرونه، وان الشكل ليس معيارا اساسيا للحكم على الفرد الى جانب توفير البدائل، مبينة أهمية ادراكهن بأن المنصات تقدم نماذج غير سوية احيانا بين شخصيات محبة للظهور واخرى لا تتقبل النقد.

ولأن هذه المنصات ايضا تتطلب إدارة في اسخدامها لأنها تضخ المشاعر السلبية، وتدني احترام الذات الذي يمكن أن ينجم عن مقارنة الإنجازات الخاصة بك بالآخرين، يجعل هذه الوسائل مصدرا للمعاناة بدلا من الفائدة والترفيه.

وبعض تلك الفلاتر تغير الصورة الحقيقية للفرد ويرى نفسه فيها بشكل أفضل، ما يعزز أفكارا غير صحية منها اللجوء لعلميات تغيير شاملة أو المبالغة في استخدام مواد التجميل.