موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
قراءة في تجريم خطاب الكراهية.. ضبابية المفهوم تقود إلى ضبابية النّص

الدكتورة نهلا عبد القادر المومني :

يُثير تعريف خطاب الكراهية وتجريمه في مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018 جدلاً حول الحاجة إبتداءً إلى نص قانونيّ في المنظومة التشريعيّة الأردنيّة يجرّم هذا الفعل من ناحية، ومن ناحية أخرى يُثير فحوى تعريف هذا المفهوم إشكالياتٍ متعدّدةٍ.

بدايةً لا بدّ من الإنطلاق من فكرةٍ جوهريّةٍ، وهي أنّ وضوح المفهوم في ذهن المُشرّع يقود إلى وضوح النّص القانونيّ، وأنّ وضوح المفهوم يستند قبل كلٍ شيءٍ إلى وضوح فلسفة الحق الذي يحميه القانون من تجريم الأفعال. وفي هذا السّياق فإنّ الفلسفة الأساسيّة التي انطلق منها تجريم خطاب الكراهية دوليّاً كانت لحماية الحق في حرّية التّعبير عن الرّأي؛ وبدا ذلك واضحاً من خلال العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة الذي دعا الدول في نصٍ فريدٍ من نوعه إلى حظر أيّة دعوةٍ إلى الكراهية القوميّة أو العنصريّة أو الدينيّة تشكّل تحريضاً على التّمييز أو العداوة أو العنف. ويقرأ هذا النّص في إطار نص المادة (19) من العهد ذاته الذي كفل لكلّ إنسانٍ الحق في التّعبير عن الرّأي؛ ممّا يعني أنّ خطاباً ينطوي على الكراهية هو عائقٌ أمام حرّية تعبير يمارسها الجميع دون وجل أو خوف من خطاب مضادٍ يحمل بين جنباته دعوةً لصد الرّأي الآخر أو القضاء عليه بقوة الكراهية. فهو قيدٌ على حرّية التّعبير لضمان التّمتع بها. ولذا يتوجب أن لا يكون خطاب الكراهية وتجريمه وتعريفه بموجب القانون بصورةٍ غير دقيقةٍ أو واسعةٍ بصورةٍ تشكّل قيداً إضافيّاً على حرّية التّعبير وإلّا إنتفت الغاية الأساسيّة من وجوده.

على صعيدٍ آخرٍ يُثير خطاب الكراهية جدلاً عالميّاً حول مفهومه وماهيته، وانعكس هذا التّفاوت في فهم مدلول هذا الخطاب على التّشريعات الوطنيّة التي جاءت لتعكس نصوصاً غامضةً فضفاضةً، تخلط بين المفاهيم المختلفة في المدلول والسّياق. وهذا ما لمسناه في تعريف خطاب الكراهية في مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018. ويأتي هذا الخلط إبتداءً من عدم وضوح مفهوم خطاب الكراهية الذي يتوجّب أن يصدر إبتداءً من فردٍ أو مجموعةٍ ويستهدف فرداً آخر أو مجموعةٍ أو فئةٍ ما بخطاب يحمل كراهيةً على أن يكون هناك طرفٌ ثالثٌ في المعادلة، وهو الجمهور الذي يتم تحريضه على هذا الفرد أو الفئة.

ولكن في السّياق ذاته يثور تساؤلٌ حول المعايير التي يرتقي بوجودها الخطاب ليمسي خطاباً ينطوي على الكراهية ويحرّض على العنف أو العنصريّة أو التّمييز؟ وهنا جاءت مبادئ كامدن حول حرّية التّعبير والمساواة لتُشير إلى أنّ خطاب الكراهية يُشير إلى مشاعر قويةٍ وغير عقلانيّةٍ من الإزدراء والعداوة أو البغض تجاه المجموعة المُستهدفة. أمّا التّحريض على الكراهية فيُشير إلى ما يصدر حول المجموعات القوميّة أو العرقيّة أو الدينيّة، والتي تؤدي إلى خطرٍ وشيكٍ لوقوع التّمييز أو العدائيّة أو العنف ضد أشخاصٍ ينتمون إلى هذه المجموعات.

ونظراً لصعوبة وضع الحدّ الفاصل بين حرّية التّعبير وبين خطاب الكراهية خرجت خطة عمل الرّباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية الدينيّة أو القوميّة أو العنصريّة التي تشكّل تحريضاً على التّمييز أو العداوة أو العنف بمعايير ستة لاعتبار خطاباً ما ينطوي على الكراهية تمثلت في السّياق الإجتماعيّ والسياسيّ السّائد عند صدور الكلام ونشره، والمُتحدّث ومركزه الفرديّ أو مركز منظمته في بيئة الجمهور الذي يوجّه إليه الخطاب، ومدى توفّر النيّة والمحتوى أو الشّكل الذي صدر فيه الخطاب و مدى الخطاب وتأثيره وطبيعته العامّة وكبر جمهوره وحجمه وأرجحية حدوث الضّرر أو الخطر على أن تكون العلاقة السببيّة مباشرةً بين الخطاب وأرجحية حدوث الخطر.

مقاربة هذه المعايير وهذه التّعريفات الدوليّة مع النّص المُقترح في مشروع القانون المُعدّل لقانون الجرائم الإلكترونيّة لسنة 2018، والذي عرّف خطاب الكراهية على أنّه كلّ قولٍ أو فعلٍ من شأنه إثارة الفتنة أو النّعرات الدينيّة أو الطائفيّة أو الإقليميّة أو الدعوة للعنف أو التّحريض عليه أو تبريره أو نشر الإشاعات بحق أيّ شخصٍ من شأنها إلحاق الضّرر بجسده أو ماله أو سمعته. تقودنا إلى مجموعة من النّقاط أبرزها، وجود نص في قانون العقوبات الأردنيّ رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته مشابه لنص هذه المادة المقترحة؛ وهو نص المادة (150) والتي جرّمت كلّ كتابةٍ وكلّ خطابٍ أو عملٍ يُقصد منه أو ينتج عنه إثارة النّعرات المذهبيّة أو العنصريّة أو الحض على النّزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمّة. ويثور التّساؤل هنا حول الأسباب المُوجبة لخلق إزدواجية في عملية التّجريم، علماً بأنّ وسيلة إرتكاب الجريمة لا تعدّ عنصراً من عناصرها!

كما أنّ المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونيّة إبتداءً نصّت على أنّ كلّ من ارتكب أيّ جريمةٍ مُعاقبٌ عليها بموجب أيّ تشريعٍ نافذ بإستخدام الشّبكة المعلوماتيّة أو أيّ نظام معلومات أو موقع إلكترونيّ أو إشترك أو تدّخل أو حرّض على إرتكابها يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التّشريع.

على صعيد آخرٍ فإنّ المُشرّع لم يضمن المعايير الأساسيّة لإعتبار فعلٍ أو قول ما قد إرتقى إلى حدّ وصفه بخطاب للكراهية كما نصّت عليها خطة عمل الرّباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية. وإنّما لجأ إلى تعريفٍ يتضمن عباراتٍ مثل إثارة الفتنة، وفي أحوالٍ أخرى ضمّن المشرّع في التّعريف حالاتٍ لا تندرج بأيّ حالٍ من الأحوال تحت مسمى خطاب الكراهية، وبدا ذلك واضحاً من خلال الحديث عن نشر الإشاعات؛ ممّا يدل على أنّ مفهوم خطاب الكراهية ما يزال غامضاً في ذهن المُشرّع.

بقي أن نقول أنّ أيّ خللٍ تشريعيّ وعدم اتباع أصول الصّياغة التشريعيّة القائمة على وضوح النص الجزائي ومفهوميته وبلوغيته بحيث يكون الفرد قادراً على ضبط سلوكه وفقاً له، سيؤدي بالنّتيجة إلى قلب العلاقة بين القاعدة العامّة والإستثناء؛ فتُمسي القيود على حرّية التّعبير هي الأصل، والإستثناء هو القدرة على طرح الأفكار وتداولها بحرّية وانسيابٍ. ناهيك عن أنّ هذا الخلل سيؤدي أيضاً إلى فتح الباب واسعاً أمام الإنتقائيّة في عملية التّجريم في بعض الأحيان وفي أحيانٍ أخرى قد يؤدي إلى توقيف ومحاكمة الأشخاص الذين يعبرّون عن آرائهم ويمارسون حقّهم في النّقد أو مناقشة الآراء المختلفة تحت بند خطاب الكراهية. وعلى الجانب الآخر قد لا يلاحق من يصدر عنه بالفعل خطاب كراهية؛ وذلك لأنّ النّصوص القانونيّة قابلةٌ للتّأويل والتّفسير، وستخضع في حالاتٍ أخرى الوقائع المُتشابهة لتطبيقاتٍ مختلفةٍ؛ ممّا يعني إزدواجيةً في التّطبيق، وما لذلك من أثرٍ على ميزان العدالة وعلى تثبيت جذور دولة الحق.

(الرأي)