موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
قانون العقوبات المجتمعية

رمزي الغزوي :

تعليقاً على تصريح مدير مراكز الإصلاح والتأهيل، العميد أيمن العوايشة، من أن كلفة النزيل الواحد على الدولة تساوي 730 دينارا شهرياً، صرّح لي واحد من الأصدقاء مبتهجاً بأسى:(تعال ننسجن معاً). فيما يقترح آخر، أن يطلقوا السجين، ويمنحوه نصف هذا المبلغ، ولسوف تتعدل أحواله، وتستقيم أشجانه.

من يستكثر الرقم، ويحس مبالغة كبيرة فيه، ستصدمه حقيقة، أن استراتيجية مراكز الاصلاح والتأهيل تقوم على توفير حياة آمنة، ومريحة للنزلاء، ولكنها في الوقت ذاته (غير جاذبة). وهنا سيقول الذين يطأون وجع الجمر الصاهد، ويبلعون مرَّ العلقم، ويذوقون لفح السّياط: بل تلك حياة جاذبة، وأكثر من جاذبة.

من ترتيبات الصدف الحميدة، أن يجيئ هذا التصريح، مع بدء تطبيق قانون العقوبات المعدل، رقم 27 لعام 2017م، الذي أدخل العقوبات المجتمعية بديلاً عن العقوبة السالبة للحرية. فما زلتُ أرى، أن العقوبات المجتمعية، ستكون ثورة في الفلسفة العقابية بشكل عام، فالسجن له مخاطر على السجين وعائلته وبلده، فالمجتمع ما زال ينظر إلى السجين بازدراء، ولا يتقبله سوق العمل، مما يقوده إلى العزلة، أو غيرها، مما تعرفون. وهذا ما لا نرجوه من إصلاح أو تأهيل.

أكاد أصدق، أن المبلغ الذي حدّده العوايشة منطقي، في ظل ظروف باهظة تخنقنا، ولهذا أتمنى أن تعجل الدولة بتفعيل قانون العقوبات المجتمعية، بشكل حكيم مدروس وبتشاركية ذكية؛ كي نحقق عدة أهداف معا: نوفر على الخزينة تكلفة السجين، ونجني خدمة للناس، ونلمس تغيرا حميدا في سلوك المُعاقب.

حينما خرج سيدنا يوسف عليه السلام من سجنه كتب على الباب: هذا قبر الأحياء، وبيت الأحزان، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. ولكن دائما ثمة ما هو أشد وأمر من هذا القول الفاتك. أن يتمنى شاب صحيح الجسم والعقل، مؤهل للعمل والإبداع والعطاء، أن يتمنى حياة خلف القضبان.

لن يكون رومانسيا أبداً، أن يقول لنا قائل: نحن مثل الحلزون، كل يحمل بيته أو سجنه فوق ظهر. فهذا كلام أكثر فتكاً حينما نمضغه. فالسجن سجن أيتها الحياة. ولهذا دعونا نعمل؛ كي لا يتمنى المتمني، أن ما خلف القضبان أهون ممن خارجها. أو أن ما تحت التراب أطيب مما فوقها.

(الدستور الأردنية)