موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٦ فبراير / شباط ٢٠١٩
عقدان ملكيان لعبد الله الربان

أ.د. عصام سليمان الموسى :

احتفل الشعب الأردني بمرور عشرين عاما على تولي جلالة عبد الله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية ملكا عربيا سليل الدوحة الهاشمية الأبية العريقة الشريفة.

وشهدت هذه الفترة تحولات عولمية كان لا بد من التكيف معها، واستطاع الملك بحنكة الربان الماهر من تسيير دفة السفينة وسط أجواء مضطربة في أغلب الأحيان بمهارة يعاونه شعب وفي ملتف حول العرش. ومن أهم هذه التحولات قدوم الثورة الرقمية التي غيرت قوانين الاتصال والإعلام، وقدوم الربيع العربي الذي هز العديد من البلدان العربية.

لكن الأردن كان تجاوز هذا الربيع العربي منذ عام 1989، وأحداثه التي قادت لدخولنا عالم الدمقرطة بانتخابات ذلك العام (1989) النزيهة، التي جاءت ببرلمان قوي أصدر قانون الأحزاب أولا عام 1992 ثم قانون المطبوعات الليبرالي عام 1993.

ولجنا الحياة النيابية وعلى مدار السنوات الماضية ارسيت قواعد المجتمع المدني القائم على المواطنة في مجتمع فيه الدين لله والوطن للجميع.

وظهر في العالم العربي مساران متوازيان: ففي الوقت الذي سار فيه الأردن بمسار تنمية العمل الديمقراطي وبناء المجتمع المدني الذي يضم كافة الأطياف والألوان، سارت العديد من الدول العربية في مسار الربيع العربي الذي عاد عليها بهدم بنيتها التحتية - والفوقية في بعض الحالات.

وخلالها اتسع قلب الأردن فاتحا بقومية عربية مطلقة ذراعيه لاحتضان الأخوة العرب اللاجئين اليه من لفح نار الربيع العربي يتقاسم معهم لقمة العيش وشربة المياه–الشحيحة أصلا.

ونشط المجتمع الأردني بكافة أطيافه في محاولة التكيف مع زمن العولمة الرقمية وقدوم الفيسبوك والتويتر والواتسب وتكنولوجيا الاتصال الحديثة التي اتقنوا استخدامها فصارت منصة اعلامية تؤازر قنوات الإعلام في بناء المناخ الاتصالي الذي أعلى بنيانه الملك عبدالله الثاني ووسع قنواته برؤيته لحرية تعبير «سقفها السماء» ملتزمة بالوطن وقضاياه. وفي نفس الوقت صارت تكنولوجيا الاتصال هذه قناة خلفية يستغلها الجميع لإلقاء الضوء لإظهار أخطاء المسيرة كلما فشل الإعلام الرسمي في جلاء الغموض الذي يحيط يبعض القضايا، فتسارع الأولى لتعديل مسارها. وهكذا ساهمت تكنولوجيا ا لاتصال الحديثة في إعلاء مسار التنمية وبناء الديمقراطية والمجتمع المدني.

عاش الأردنيون في ظلال العقدين الماضيين في سفينة يوجه دفتها الربان الهاشمي بحنكة وسط أنواء المحيط المضطرب ويوصلها كل مرة الى ميناء السلامة.

وفي ظل هذا المناخ ترعرعت ملامح «ديمقراطية أردنية» بامتياز، وهي وليدة لا تزال تحبو، بالمقارنة مع الديمقراطيات الأكثر نضجا التي ظهرت في أوروبا مع الثورة الفرنسية عام 1789. ورغم الاختلاف الا أنها ديمقراطية مبشرة، وقد تكون من الأفضل في الوطن العربي بمجمله. وبهذا نحن مدينون للمناخ الديمقراطي الذي رعاه ربان السفينة الماهر.

لا شك ان مسيرتنا هذه اعتور مسارها تجربة تعليمية فذة كان من نتائجها ان اصبح المجتمع الأردني (مجتمع شهادات)، وفرت فيه جامعات عربية في دول عربية قريبة منا أرقى الشهادات–(الدكتوراه) بسهولة ويسر. وحين أقارن بين الجهد الذي بذلته للحصول على الدكتوراه في جامعة واشنطن عام 1981 – التي تعتبر حتى الآن من ارقى جامعات أمريكا- وبين ما يبذله العديد من الراغبين على الحصول على لقب (دكتور) من أرخص الجامعات العربية – أرخص لأنها تخلت عن مهمتها كجامعة تعلم وتبني المواهب والقدرات- الى جامعات لا تزيد عن (دكانة) رخيصة تبيع الشهادة بيعا لشارين متعطشين لا هم لهم الا اللقب-أتحسر على واقعنا التعليمي لأني اومن بان أنصاف المتعلمين خطر على المجتمع.

في هذا المناخ حول كم الخريجين، من جامعاتنا (وجامعات الخارج الرخيصة في الأغلب)، الوطن الى مجتمع شهادات ينتظرون الوظيفة، وكلهم من أصحاب الياقات البيضاء، مقابل نقص حاد في أصحاب الياقات الزرقاء الذين يعملون بأيديهم في مختلف المهن. واذا صدق من قال ان هناك ثلث مليون طلب في ديوان الخدمة المدنية، وجلهم من اصحاب الياقات البيضاء، فان هذا لدليل واضح على خلط سياستنا التعليمية التي تقتضي اعادة النظر بها بأسرع الأوقات.

هناك جوانب أخرى لا بد من التركيز عليها كتنمية البنية الصناعية والإنتاجية والسير باتجاه اردن أخضر، والاهتمام بالبيئة، ومحاربة نمو السكان العشوائي، لا بد من مواجهتها، إضافة الى محاربة الفساد والرشوة.

مع بداية عقد جديد في عهد المملكة الرابعة لا يساورنا القلق مطلقا بان مسار السفينة ودفتها بيد امينة.

(صحيفة الراي)