موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠١٩
حجاب الحرية

محاسن حدارة :

تمثال الحرية بحجاب سوداني جسدته الشابة آلاء صلاح بروحها الثورية المتنورة والمثقفة. بخطاب المحبة ثارت واستخدمت الشعر كي تنهض ببلادها مع الثوار، وليس بقليل عليها حينما شُبهت بأيقونة الانتفاضة الشعبية وبـ "الكنداكة" وهي الملكة النوبية في السودان قديماً والتي حاربت بقوة دفاعاً عن بلدها وحقوقه.

هذا المشهد ليس عادياً أبداً، بل حضاري وعصري بامتياز، الشابة لم تستخدم أي خطاب كراهية تجاه النظام الذي سلبها حقها كمواطنة، بل ثارت بحبّ وتحدثت شعراً، وهتفت لولادة جديدة، وخطفت قلوب الملايين، وأطلقت مع نساء السودان ثورة مدنية بحرية مسؤولة لاستعادة وطن مسلوبة كرامته وسعادته.

بالأمس، افتتاحية "اللواء" كانت بعنوان "في الجزائر: ينظفون شوارعهم بعد كل مظاهرة"، واعتبر فيها السيد أمين الداعوق أن:" الشعب الجزائري كله بشيبه وشبابه ونسائه ومؤسساته ومعارضته الحزبية، يكاد أن يكون ساكنا في الشارع لا يكلّ ولا يملّ، ويظهر للعالم كيف تكون الانتفاضة الشعبية جموعا مليونية حضارية ترفع راية «سلمّية» قولا وفعلا، وقد أدهشنا تكرارا، كيف أن فريقا متكاملا ومتزايدا من الشبان، أفرغ نفسه واندفاعه، لتنظيف الشوارع والساحات من آثار مسيئة لنظافتها وسلامتها، حتى إذا ما قارنا ما يجري هناك بما قامت به أرتال المتظاهرين الفرنسيين بقمصانهم الصفراء، من أعمال تخريب وتحطيم وتكسير ونهب وسرقة في أرقى شوارع باريس والعالم، الشانزليزيه، أدركنا الفرق في المفهوم الحضاري والوطني والانتمائي، وباتت لدينا الجرأة لنقول: أن أخوتنا المتظاهرين في مجمل مدن وقرى وشوارع الجزائر، باتوا على هذه الدرجة المتقدمة من الوعي والإدراك الوطني (...) انها تجربة شبه مثالية أطلقها للعالم بأسره ويحق له أن يعتد بها وأن يفتخر. وإنها مناسبة لنتمنى لشعبنا بعض هذا الوعي الذي يمكننا بالنتيجة من تنظيف زوايانا وخفايانا في لبنان من كل أنواع الفرقة والفساد المستمر والمستفحل، بكل زواياه وخباياه الطافحة بالزبالة وبشتى أنواع القاذورات والمحظورات."

مشهدان لا يبشران إلا بالخير وبالأمل المستدام. مشهدان يؤكدان أن المواطن لا يحتاج إلى كرسي سياسي بل يحتاج إلى كرسي في وطنه، المواطن لا يحتاج إلى مجلس الأمن ولا غيره بل يريد سعادة وطنه، المواطن لا يريد سياسات خارجية بل يحتاج إلى صاحبة "السعادة" أي الدولة الحاضنة لكرامة شعبها.

وهنا نكرر ما ذكرناه في مقالة نشرناها سابقاً بعنوان: قتلوا.. صاحبة "السعادة" جاء فيها.. لو "الدولة" صاحبة "السعادة" في منطقتنا بَنت عمادها من أجل سعادة شعوبها، لما دُمرت الدول أعلاها ولو تآمر عليها الكون، لأنه لا يُسقط الدولة إلا شعبها، ولا يُحصّن رئيس إلا محبة واحترام شعبه.

السعادة يجب أن تكون غاية الدولة وهدفها كي تحقق الاستقرار الاجتماعي وتحافظ على كرامة المواطن بالتساوي أمام القانون سلطة الدولة. معظم حكومات العالم تبني سياساتها العامة حول هدف رئيسي وهو إسعاد مواطنيها، وكل قوانينها مبنية على تسهيل أمور الناس كي ينعموا بعيش كريم.

هل التنمية المستدامة التي تؤمن ضرورات العيش من طعام ومسكن وصحة وحماية للجميع وتقضي على الفقر وتحسن مستوى التعليم هي إعجاز كبير صعب مناله؟ ألا يدرك أهل الحكومات أن السعادة هي رأس المال الحقيقي لتحرير عجلة الدولة الاقتصادية والاجتماعية؟ ألا يعلم صناع القرار أن السعادة هي المفتاح الذهبي لمكافحة التطرف والإرهاب والتحرر من الخوف والخطر؟ أين قادة الرأي من إعادة إحياء صاحبة "السعادة" ومواجهة صناع السياسة وفرض حق المواطن على الطاولة كأولوية قصوى؟

لم ولن يقتلوا صاحبة "السعادة" لأن القدر الجميل لأصحاب الحق وليس للباطل، ولو بعد حين..

(اللواء)