موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
بشار جرار يكتب من واشنطن: يا مثبّت العقل والدين!

واشنطن - بشار جرار :

كان مروعًا خبر وتفاصيل جريمة العنف المنزلي التي حدثت في جرش بعد أقل من ثمان وأربعين ساعة على جريمة إرهاب شهدتها جرش العريقة التي كانت وما زالت درة في جبين التاج المشرقي عمومًا والأردني خصوصًا.

كل الأعذار تسقط واهية أمام حجم هاتين الجريمتين، وسأكرس مقالتي هذه للجريمة الأخيرة مشيرًا في الوقت نفسه إلى ما قد يجمع بين العنف المنزلي والإرهاب بأشكاله ومنطلقاته كافة.

هو ثالوث من الشر المطلق: جهل فكراهية، غضب فعنف، جريمة فتبرير مقيت أو تغييب قاتل لما يردع من تكرار الجريمة.

أي خلاف زوجي هذا الذي يحوّل الزوج إلى وحش لا "يفش غلّه" ضرب أم أولادهما أمام ناظريهم؟ أي مجرم هذا الذي يقتلع عيني "أم عياله" أمام فلذات أكبادهما؟ وأي إرهابي هذا الذي يتخذ من زوجته بعد اقتلاع عينيها رهينة ومن أولادهما درعًا بشريًا محتجزًا إياها نازفة حتى استتب الضرر على نحو قطعي وفقدت بصرها إلى الأبد؟

هل درس هذا المخلوق في مدارسنا؟ هل سمع الآذان خمس مرات يوميًا وأجراس الكنائس في الآحاد؟ هل خرج في مظاهرات صرخت بأعلى الصوت "بالروح بالدم نفديك يا وطن"؟ هل كان من ضمن جوقة المفترين على التاريخ بأن الإرهاب بدأ بالاستعمار أو أن داعش والنصرة والقاعدة وبوكو حرام وطالبان صنائع "الإمبريالية والصهيونية والماسونية العالمية"؟

مشكلتنا يا أحبة ليست سياسية ولا أمنية، مشكلتنا روحية-أخلاقية، ثقافية-مسلكية ونعم عقلية-نفسية. ثقافات الدنيا كلها تعرّف الغضب بالجنون المؤقت. أديان العالم جميعها تدين الغضب وتطرح ما يقتلعه من جذوره. فأصل الغضب إما كراهية أو خوف وعلاج كل منهما بالمعرفة الروحية الصحيحة والثقافة المعرفية القادرة على وضع الأمور في نصابها وحجمها الحقيقي.

قبل شهر تقريبًا، احتفلت الأسرة الإنسانية باليوم العالمي للصحة العقلية (النفسية). العلم الحديث كما الأديان كافة، ترد هذه المآسي كلها إلى عقل الإنسان وضميره ونفسيته. كثير مما قد يبدو إرهابًا أو جريمة أو حتى مخالفة سير أو تدخين سيجارة (نظيفة من المخدرات أو محشوة) هو في الأصل انحراف مؤقت يتطلب إرشادا أو مرض يتطلب علاجا قبل استفحاله.

أتوجه من هذا المنبر المبارك -موقع أبونا- إلى الأخوة الأحبة من أصحاب القرار بالنداء إلى إطلاق يدي جراح أمين يملك يدين ثابتين لاستئصال مواضع الجهل والكراهية والعنف في مناهجنا وكل ما يلوث فضاءنا من مواد إعلامية وإعلانية تغذي منابع الشر. لا بد من تجفيف هذا المستنقع الذي لم يسلم فيه أحد على امتداد المعمورة. قبل ثلاثة أيام فجع الأميركيون بجريمة مروعة أودت بحياة أسرة أميركية كاملة في المكسيك نفذها تجار مخدرات وحوش قتلوا وحرقوا أطفالا أمام ناظر أمهم.

"كلنا في الهم شرق" كبشر. وإننا إذ نرفع أكف الضراعة إلى رب المحبة والسلام قائلين: يا رب ارحم، نستذكر مقولة تراثنا الشعبي العفوية كلما ادلهمّت الخطوب: يا مثبّت العقل والدين. لعلّ البداية تبدأ بإصلاح ما فسد فيهما..