موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
انتدبوهم للتعليم

حسني عايش :

لطالما قيل وعن تجربة وخبرة، أن التعليم هو أفضل وسيلة للتعلُّم. وبما أنه يوجد في كثير من الأحيان وفي كثير من المدارس نقص في المعلمين أو المعلمات اللازمين لتعليم مادة معينة، وبخاصة في اللغة الانجليزية، والعلوم، فإنه يمكن تغطية هذا النقص بسهولة وبكلفة بسيطة، وربما بنتائج أفضل.

ومن ذلك أنه يوجد – بوجه عام – تلاميذ وتلميذات فاهمون وفاهمات تماماً لهذه المادة أو تلك، بل قد يتفوقون فيها على كثير من المعلمين والمعلمات، يمكن انتدابهم لتعليمها عندما لا يتوافر المعلم/ة اللازم/ة أو الكفؤ/ة لتعليمها، ومكافأة التلميذ/ة المنتدب/ة على قيامه بذلك.

يحدثني أطفال، وبخاصة في المرحلة الثانوية، عن ضعف معلم اللغة الإنجليزية، أو الرياضيات، أو الفيزياء، أو الكيمياء في مدارسهم وأن أحد زملائهم أو أكثر، يفهمون فيها أكثر منهم، ويستطيعون تعليمها لهم بصورة أفضل، وأنهم يقومون أحياناً بتصحيح المعلم/ة فيستحي أو يغضب ويخرجهم من الصف.

لقد ذكر لي تلميذ يتعلم في مدرسة خاصة تبدو بأبنيتها ومرافقها ومختبراتها وكأنها مدرسة اسكندنافية أو أميركية أن معلم اللغة الإنجليزية فيها يخطئ كثيراً في اللغة، وأنه يصححه في كثير من الأحيان، ولكنه استحى من نفسه في الآخر وقرر أن(يحط) رأسه بين الروس. لقد اهتمت المدرسة بالشكل وأهملت الجوهر وهو التعليم، لأنها تعتقد أنها وفرت شخصاً (يقف) في الصف ويتظاهر بالتعليم، فيما يتظاهر الأطفال بالتعلّم.

هؤلاء التلاميذ القلّة كنز أو نبع لا ينضب لتعويض النقص المؤقت أو الدائم في المدرسة (وحتى في الجامعة) ومع هذا لا ينتبه أو يلتفت إليه أحد للاستفادة منه وبخاصة في التعليم، مع أننا كنا نمارسه في مدارس الصفوف المجمعة وفي دروس الفقة، واللغة العربية، والفلسفة... أيام الازدهار الفكري العربي الإسلامي في العصور الوسطي.

لعل الاستعانة بهؤلاء التلاميذ والتلميذات في المدارس، والطلبة من مثل هؤلاء في الجامعات في التعليم، يزيد في منسوب الفهم عند المتعلمين والمتعلمات، بالإضافة إلى تعميق الفهم عندهم فيما يعلّمون، فأنت عندما تعلم تتعلّم، لأنك لا تستطيع أن تقف أمام التلاميذ أو الطلبة إذا لم تكن فاهماً لدرسك وقادراً على تقديمه، وجذب انتباههم إليك، ومتجاوباً مع أسئلتهم في الموضوع، باقتدار.

وبما أنه يوجد مدارس ثانوية لا ينجح فيها أحد، لأن قلة عدد الصفوف فيها (الشعب الثانوية بخاصة) لا تستوجب تعيين معلم مختص في المواد المختلفة لقلة عدد الحصص أي عدم توافر النصاب الكامل للمعلم لكل منها (24 حصة في الأسبوع) فإننا يجب أن نفكر بواحد من الحلول التالية:

الأول: إما إلغاء الصفوف من تلك المدرسة وإلحاق التلاميذ/ التلميذات بالمدرسة المجاورة في القرية الأكبر لتصبح مدرسة مركزية ذات صفوف وشعب كافية لتعيين معلم/ة مختص/ة لكل مادة فيها. وقد صار ذلك سهلاً بوسائط النقل، أو الدراجات / (البسكليتات) الكهربائية؛ أو بانتداب أقوى التلاميذ في الصف في المادة الواحدة وتكليفه بتعليم زملائه ومكافأته عليه؛ أو بانتداب أقوى الطلبة في هذه المواد في الجامعات المجاورة وتكليفهم بتعلم الأطفال فيها، ومكافأتهم عليه. وأعتقد أن تكليف التلاميذ أفضل مرتين لأنهم أقرب عقلاً ونفساً لزملائهم، وأقدر على التوصيل. ويجب إضفاء الشرعية القانونية على هذا الترتيب التعليمي ليعمل.

وبهذه المناسبة أفصح للقارئ عن مغزى هذا الأمر فيما يخص تجربتي حسب قاعدة: علّم لتتعلم، فقد علّمت تلاميذ وتلميذات كنت قريباً من سنهم مواد كثيرة: تاريخ، وجغرافيا، وفلسفة، ومنطق، ولغة عربية، ولغة انجليزية، ومبادئ علم الاجتماع، ومبادئ علم الاقتصاد لم يكن علمي في بعضها يزيد عن علمهم. وقد اضطرني ذلك أو جعلني أتعلم وأتعمق في كل فيها وبناء مكتبة صغيرة حولها نتيجة لذلك، تحولت إلى مكتبة كبيرة فيما بعد وبعبارة أخرى تبين أن التعلّم المتبادل هو أرقى شكل من أشكال التعليم، فالمعلم/ة يعلم التلاميذ ويتعلم منهم والتلاميذ والطلبة يعلمونه ويتعلمون .