موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم العربي
نشر الخميس، ١٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
المونسنيور عكشة يقدّم من أبوظبي ’الوصايا العشر‘ في الأخوة اﻹنسانية

أبوظبي :

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها المونسنيور خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار مع المسلمين وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، في حاضرة الفاتيكان، في أعمال الملتقى السادس من منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، حول « دور الأديان في تعزيز التسامح: من اﻹمكان الى اﻹلزام»، في أبوظبي، 9-11 كانون الأول 2019:

أبغض قريبك. لماذا نسينا الأخوّة. خواطر حول مخاوف الزمن الحاضر. مقابلة مع الكاردينال ماتيو ماريا تزوبّي للصحفي لورينزو فاتزيني Cardinale Matteo Maria Zuppi, Lorenzo Fazzini. عنوان غريب، والأغرب منه ذكرُه في معرِض الكلام عن الأديان والأخوّة اﻹنسانية.

سموّ الشيخ عبد الله بن زايد، راعي المؤتمر،
صاحب المعالي، فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه،
أصحاب السماحة والفضيلة والسيادة،
أيها الاخوة والاخوات،

مما يلفت الانتباه أن يشارك في منتدى، غايتُه تعزيزُ السلمِ في المجتمعات المسلمة، رجال دين ومفكّرون ومؤمنون من ديانات غيرِ الاسلام، وبخاصة مسيحيون ويهود. وفي دعوة منظمي المؤتمر لهم للمشاركة حكمةٌ وطيبةُ قلب وسعة صدر. ولهذا أودّ أن أوجّه الشكر والتهنئة في آن إلى سموّ الشيخ عبد الله بن زايد، والى معالي الشيخ عبد الله بن بيه، والى كافة القائمين على المنتدى ومن اجتهد وتعب في تحضيره. وتسرّني المشاركة في لقائكم هذا باسم المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، الذي أتشرّف بالعمل فيه منذ ربع قرن.

يشير عنوان مؤتمرنا إلى أنه لا مناصَ للأديان من تحمّل مسؤوليتها وأخذ دورها في تعزيز التسامح.

الملحوظة الأولى هي أن الكلام يدور حول أهل الأديان، من رجال دين وباحثين ومفكرين وأساتذة ومربّين ومؤمنين ومؤسسات تربوية وخيرية. واضافة، يمكننا القول بأنه لا وجودَ لدين دونَ أهله.

الملحوظة الثانية هي حول مصطلح التسامح. المسمّى، كما هو معلوم، شائع، ويشهد على هذا العنوان الرئيس لمؤتمرنا: «دور الأديان في تعزيز التسامح: من اﻹمكان الى اﻹلزام»، وإعلان سنة 2019، من قِبل اﻹمارات العربية المتحدة،عامًا للتسامح، كما وتأسيس وزارة للتسامح في اﻹمارات عام 2016.

لكن، من ناحية أخرى، قد يُفهم من التسامح تحمّل الآخر عن إكراه وعلى مضض. والآخر، أعني المختلفَ عنّا إما في العرق أو الدين أو الثقافة أو الفكر أو في غير ذلك، من الواجب أن نتقّبله ونحترمه ونحبّه ونساعده إذا احتاج، ونتعاونَ معه على الخير.

على أي حال، ومع اختلاف فَهم المصطلح، فنحن في بلد استوطنه التسامح بقرار من قيادته السياسية والدينية ومن شعبه. فالإمارات فتحت ابوابها للناس من بلاد متعددة ومن أعراق كثيرة ذوي ثقافات متنوعة أتوا هنا بحثًا عن لقمة العيش أو لتحسين ظروف معيشتهم ولبناء مستقبلهم. وهناك من أتى سائحا أو مغامرًا. الكلّ موضع ترحيب، اذا ما احترم قوانين البلد وتقاليده. والأمر الأهمّ أنّ دورَ العبادة موجودة وحقَ العبادة، المتأصل في الحرية الدينية، مكفول. ولا بدّ من أن أشير بالتقدير الى القرار العادل الحكيم بتوفير مكان عبادة لأخوتنا اليهود –وهم أيضا من أبناء ابراهيم– من باب احترام الحرية الدينية، دون استدعاء الخلافات والصراعات السياسية لحرمان أتباع دين من حقّ أساس، ودون توظيف سياسي للدين.

ولا بُدّ لي من أن أعرّج على أحداث كبيرة وقعت في اﻹمارات، دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، أعني زيارةَ قداسةِ البابا فرنسيس للإمارات في شهر شباط المنصرم٬ وتوقيعَه وشيخَ الأزهر، فضيلة الدكتور أحمد الطيب، على وثيقة الأخوّة اﻹنسانية، التي تبعها تأسيسُ اللجنة العليا لمتابعة أهداف وثيقة الأخوّة اﻹنسانية، وقرارُ اﻹمارات انشاءَ بيتِ العائلة الابراهيمية.

وعودة الى موضوع ندوتنا –الأديان والأخوةّ اﻹنسانية– فالفطرة السليمة تدلّنا على أنّ الناس، على اختلاف أعراقهم وأشكالهم وألوان بشرتهم وثقافاتهم وطرق معيشتهم وأديانهم واتجاهاتهم الفكرية وخياراتهم السياسية، هم جميعا أفرادٌ في بشرية واحدة، احتياجاتهم في أساسها متشابهة، مهما اختلفت التفاصيل بسبب الأزمان والأمكنة والظروف. وتأتي الأديان لتؤكّد بدورها على وحدة الأصل وعلى تشابه الرحلة نحو الأبد وعلى وحدة المصير. نحن، كما غيرنا، وُلدنا لرجل وامرأة، ورأينا النور باكين، وجُلّ حياتِنا - كما يقول سفر المزامير- "عناء وشقاء"، وما من بَشرٍ استطاع "الفرارَ من الموت"، حسْبَ تعبيرِ القديسِ فرنسيس الأسيزي.

ولا بدّ أن ينتُج عن الأخوّة، اذا كانت صادقة، تآلفٌ ومودّةٌ وتعاضدٌ وإحسانٌ، وبخاصة نحو اليتيمِ والأرملةِ والمشرّدِ – ابنِ السبيلِ – واللاجئ.

الحمدُ لله أنّ مثلَ هذه المواقفِ الانسانية موجودةٌ عند كثيرٍ من الناس، في بلدان عديدة، ينتمون الى اعراق وديانات متعددة، وبعضُهم لا ينتمي الى دينٍ معيّن، ومع ذلك يعمل الخير انطلاقا من مشاعرَ محضَ انسانيةٍ (philantropy).

ولكن، ولسوء الطالع،غيرُ هذا موجودٌ كذلك، من قتلٍ وتشريدٍ وتهجيرٍ ودمارٍ ورغبةٍ في الانتقام. وهناك أيضا تنافسٌ بين مؤمنين من أديان مختلفة وتحدٍ متبادَل، كما يوجدُ أحيانًا خطابُ كراهيةٍ وتوظيفٌ سياسيٌ للدين وعنفٌ على أساسٍ طائفي وديني وإرهابٌ يسعى الى ان يتدثّرَ بلبِاسِ الدّين، وغيرُ ذلك من المظاهرِ السلبيّة أو الخطيرة.

وفي ظروفٍ كهذه فإننا نتساءلُ: هلْ مِن عَونٍ يمكن أن يأتينا ممّا في الأديان من تعاليمَ دينيةٍ ومن قيمٍ أدبيةٍ وأخلاقيةٍ؟ والجواب - دون شَكٍ - نَعَم، يشهدُ على هذا الكثيرُ من المؤتمرات والوثائق والبيانات والتصريحات، منها طَبعًا وثيقةُ الأخوّةِ الانسانية، وكذلك إعلانُ مراكش لحقوقِ الأقليّات الدينيّة في العالمِ الإسلامي (27 يناير 2016) ويعودُ الفضلُ الأكبرُ في أمرِه الى الشيخِ عبدِ الله بن بيه.

أحبّ، في ختامِ مداخلتي عن الأديان والأخوةّ اﻹنسانية، أن أوصي بعشْرٍ:

1) أن نرى في كلّ انسان أخًا أو أختًا، نحترمُه ونحبّه ونعتني به؛

2) أن نواجه فينا ومِن حولِنا كلّ مظاهرِ تحقيرٍ للمختلف عَنّا عِرقًا أو دِينًا، وكلّ مُحاولاتٍ ترمي إلى تهميشِه أو اضطهاده؛

3) أن نبحثَ في قريبنا عن ما هو حقٌ وخيرٌ وجميل، شاكرين الله تعالى على هذا، لأن "كلّ عطية صالحة وكلّ موهبة كاملة هي من العلاء منحدرة من لدن أبي الأنوار" (رسالة القديس يعقوب).

4) أن نفكّرَ في قريبنا خيرا، ونقولَ عنه خيرا، ونكتبَ عنه خيرا؛

5) أن نربّي أولادَنا وبناتِنا على احترامِ الغير والرحمةِ بهم والحدبِ عليهم، وبخاصةٍ اذا كانوا في ضيقٍ أو حاجةٍ؛

6) أن نرعى فينا التواضعَ وحسنَ الإصغاء والتعامُلَ بالتي هي أحسنْ وغفرانَ الاساءة؛

7) أن نعدِل ونتقاسمَ معَ غيرِنا ما منحنا الله تعالى من خيرات روحية ومادّية، متجنّبين الأنانيةَ واﻹنغلاقَ على أنفسنا؛

8) أن تشهدَ حياتُنا لما به نؤمن، فلا نكون مصدرَ شكٍ للآخرين، مما ينعكسُ سلبًا على الدّين وعلى الجماعة الدينية اللتين ننتمي إليهما؛

9) أن نصلّي بعضُنا للآخر؛

10) أن نعيشَ مؤمنينَ صادقين وإخوةً متحابّين، علّنا نسمعُ السيّدَ ينادينا يومَ نرحل إلى الدارِ الباقية، بعد عمرٍ طويلٍ سلاميٍ ومثمرٍ لجميعِنا: «تعالَ، أيها العبد الصالح الأمين: أدخلْ نعيمَ سيّدِك».

الحمد لله والشكر لكم.