موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
الفلسفة والتسامح والجامعة

د. محمد القضاة :

تبدو سيمائية العنوان متقاطعة، وقد تعطي فهمًا غريباً للوهلة الأولى؛ خاصةً أنّ عالم اليوم تحكمه أنماط من الفوضى والمفاهيم العجيبة؛ غير أن ما نقصده يؤطر فهمًا عميقاً لحكمة الفلسفة في بناء فكر تنويري تحتاجه الحياة بمعطياتها ومتطلباتها ومعارفها وحقائقها، فضلا عن دورها في اكتساب المعرفة التي تعد ضرورة لانسان هذا العصر. والفلسفة تعلم القيم والمثل العليا التي تضبط السلوك الإنساني، وترتبط باللغة وهي وسيلتها في التواصل والتفاهم مع البشر وتحمل معارفها وقيمها وجدلها ومنتجاتها الى العقل الإنساني، والعقل صنوها، واذا ما ذكرت ذكر العقل؛ والعقل مصدر القدرة والإدراك واتخاذ القرار ودونه الانسان بلا قيمة فهو منتج الفكر والنقد والجدل وعلم الكلام، وهنا دعونا نتوقف عند اسئلة العقل العربي التي لا تتوقف، خاصة أنّ المواقف المثيرة التي يعيشها العالم العربي في السنوات الأخيرة دليل كاف على غياب العقل العربي والقدرة على انتاج الفكر والابداع، ومن يحلل المشهد يعرف أنّ ظهور التطرف والأفكار الظلامية وانتشار موجة اللاعقل التي مثلتها الجماعات المتطرفة سببها غياب العقل عن انتاج الفكر والابداع، والقدرة على الاقناع وعدم الوقوف على مشكلات اليوم بجدية وصلابة وحزم.

واذا ذكرت الفلسفة ذكرت مهارات التفكير الناقد ومهارة الافتراضات والاستدلال والاستناج والتفسير وتقويم الحجج والتساؤل، والمناقشة النقدية، والجدال بالمنطق، وتقديم الحجج في نسق منظم، وهي كلها ضرورية لطلبة اليوم في الجامعة والمدرسة وأساسية في تعليم لغة الحوار الحر وثقافة التسامح، وهنا يجب ان نقدر للجامعة الاردنية مبادرتها في اقرار مادة اجبارية لطلبة الجامعة كافة هي «مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد» انطلاقا من رؤية الجامعة لتعزيز الدرس الفلسفي وبناء منهجيات التفكير والمهارات التواصلية والحوارية عند الطلبة للوصول الى نشر ثقافة التسامح، والتسامح منهج أخلاقي وإنساني رفيع، ومشاعر دافئة لا تخضع للرهانات والمصالح، يؤسس لحرية مسؤولة، ويقيم توافقاً بين القوى والفعاليات الطلابية والأطياف المتعددة، ويوفر فرصة حقيقية لطرح الرؤى على مبدأ الاحترام والوسطية ونمطاً جديداً في العلاقات والتعامل، وينهى الاختلاف مهما عظم أو كبر شأنه ، ويحقق التوازن والإصلاح والتطور.

الحديث عن التسامح يضعنا في صلب الحديث عن حقوق الإنسان وهنا لا نطلب من الناس أن يسامحوا في حقوقهم الأساسية كحقهم في الحياة والحرية والكرامة والكسب المشروع، وانما أن يتعلموا كيف يتجاوزون نقائصهم ونقاط ضعفهم وأخطاءهم وسلبيات غيرهم كي يبنوا مجتمعاً متكافلاً متحاباً متعاوناً يعرف فيه كل فرد أن التسامح نعمة تصعد بالإنسان إلى ذرى عالية، وتسمو فيه إلى تحقيق الأمن والاستقرار.

والديمقراطية بأفكارها ونهجها وحرية أفرادها واطروحاتها لا تنسجم مع الكراهية والبغضاء، وانما تحتاج إلى تسامح واحترام وتوطيد أركان ثقافة الحوار والإصلاح والتنمية والتجديد لخلق ديمقراطية مسؤولة تجدد الحياة وتوسع مفهوم المشاركة وتنظم قواعد التنافس والاختلاف والتواصل،

والتسامح في ظل المتغيرات الدولية وانقلاب المفاهيم والتغيرات المتسارعة أصبح هدفاً أوروبيا واضحاً في مجتمعاتهم، ولنا أن ننظر كيف يتعاملون بشفافية مطلقة وبتعاون واضح وبأسلوب حضاري فيما بينهم؛ إذ لا يسمحون لأي دولة أو مؤسسة أو مجموعة أن تنشر الكراهية بينهم أو تفتك باستقرارهم وأمنهم وحياتهم، وإذا ما وجدوا أن بعضهم بحاجة إلى مساعدة في مجال ما وجدناهم يتسابقون للتخفيف عن بعضهم بعضاً في إطار ما يسمى بالاتحاد الأوروبي. وهذا شيء لا نراه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإنما نجد روحاً غريبة سوداوية تسود مجتمعاتنا تنطلق من مصالح ضيقة وعقول لا تملك فضاءً سياسياً أو اجتماعياً أو رؤوياً ، وما تواجهه أمتنا حالة ارتهان وقولبة وانهيار في منظومة العلاقات والقيم، وبالتالي تؤدي إلى صرف معظم جهودنا إلى تفسير ومناقشات لا تحقق الانسجام والوئام، وانما فواصل من الجدل والارتهان والنتيجة أن المجتمعات الغربية تتقدم بروح التسامح الإسلامية ونحن لا حول لنا ولا قوة، لا تسامح، ولا تعاون، ولا محبة، ولا علاقات دافئة، بل تدهور وقهر وأزمات وتحديات تتوالى، وحينها لا يشعر الفرد بالديمقراطية الحقيقية التي طالما حلم بها، وبعد، فهل يكون التسامح طريقنا ونهجنا وأسلوب حياتنا في جامعتنا وبين طلبتنا، وهل تتعلم أمتنا من فرقتها وأزماتها، ويبقى مبدأ التسامح ضروريا لتعزيز النهج الديمقراطي في المجتمع.

(الرأي)