موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
الصداقة الحقيقية.. حصانة ضد خيبات الحياة

ربى الرياحي - الغد :

محبة عميقة وذكريات ما تزال تبعث في النفس الحنين لأيام مضت، تلك التي تجمع سهاد سالم بصديقة عمرها، خصوصا أن ظروف الحياة أحيانا قد تحدث بعض الشقوق والندوب، لكن بالرغم من ذلك هناك مشاعر وأحاسيس أقوى قادرة على ترميم الوجع وتطبيب الجراح.

تقول سالم "نعتقد أحيانا أن هذه الجراح لن تلتئم أبدا، لكن الصداقة الحقيقية تستطيع الصمود في وجه الأزمات عصية ضد الخذلان، لا تعترف بالانسحاب ولا تبرره، وعلاقتي بصديقتي هي من وجهة نظري التقاء روحين على الوفاء والصدق والمشاركة الفعلية في الكثير من اللحظات المتباينة بين الفرح والحزن".

وتضيف "توطدت هذه العلاقة منذ الصغر، فكنا شريكتي دراسة حتى المرحلة الجامعية، لم يفرقنا شيء مطلقا، بل زادت علاقتنا ترابطا حتى أنها انتقلت إلى أسرتينا".

وتؤكد أن قربها الشديد من صديقتها وتواصلهما الدائم والمستمر على طول اليوم خلق حالة من التلاحم النفسي، وأوجد أيضا رابطا خفيا ظل متينا لا ينقطع حتى بعد انفصال أخيها وصديقتها الذي كان صادما للجميع، وتحديدا لها كونها رأت في هذا الزواج طريقة أخرى لتعميق مشاعر الصداقة أكثر.

لا تنكر سالم أن ذلك أثر بشكل أو بآخر على علاقتها بصديقتها، إلا أنه لم ينهها ولم تتزعزع تلك الدعائم القوية، مؤكدة أن الصداقة لكي تستمر لا بد لها أن تمر بانعطافات كثيرة حتى تستحق أن تدخل تلك المراهنة التي تظهر مدى وفائها وصلابتها.

أما جهاد محسن الذي يرى أن الصداقة مهما عصفت بها رياح التغيير وتسللت إليها أيادي الغدر ستبقى قلعة منيعة لا تهزها خيبات الحياة المتكررة.

تشابه كبير يجمع بينه وبين صديقه عمر، يحتفظان بشتى أشكال الذكرى حتى الأماكن اتفقت على أن تثري تلك الصداقة العميقة بالحب والدفء، وانتماء كل منهما للآخر، بحيث عملا في الشركة نفسها بعد تخرجهما واتخذا من صداقتهما مخطط يرسم لهما شكل حياتهما المقبلة، وفق محسن.

ويضيف "قربنا من بعضنا، ورغبتنا في أن نلغي كل المسافات والحواجز بيننا دفعتنا لأن نسكن في المبنى نفسه، محاولين بذلك زيادة التقارب الذي لم يقف فقط عند حدود المشاعر الصادقة بل تعداه ليترجم حقيقة كيف يكون التشارك في أسمى صوره"، لكن ذلك لم يدم طويلا فقد بدأ يحس جهاد بأن صديقه بدأ يبتعد عنه بدون مقدمات ويتهرب منه، وأيضا يتجاهله ويبين أن صداقتهما العميقة أصبحت موطنا للظنون والاتهامات الباطلة.

ويقول "كم هو صعب أن تجد صديقك الذي شاركك أهم مراحل حياتك يتغير عليك فجأة وبدون أسباب قوية تهز من أعمدة تلك العلاقة، مؤكدا أن الصديق الحقيقي لا بد أن يكون السند الذي يتكئ عليه صديقه، كما أن الصداقة تتطلب الكثير من التضحية والمحبة التي لا تكترث بالظروف. فهو ورغم كل المشاحنات التي وقعت بينه وبين صديقه ما يزال مصرا على ترك الباب مواربا.

وترى منال القاضي أن الصداقة الحقيقية تثبتها المواقف ولا تعترف أبدا بتلك العقبات، مبينة "أصدقاؤنا هم الذين يفهمون ما في دواخلنا حتى قبل أن ننطق بكلمة واحدة، يحفظون عنا أدق التفاصيل، لديهم القدرة الكاملة على قراءة ما نعجز نحن عن قراءته في ذواتنا، هؤلاء فقط صدقهم معنا يقوينا، حتى وإن جرحنا يخافون علينا من أنفسهم، لا يسيئون فهمنا ولا يظنون فينا ظن السوء".

وتضيف "قلوبهم العامرة بالحب تزيدنا إصرارا على مواجهة الصعوبات، وتجعلنا نوقن بأن قلوبهم الصادقة هذه لن تنسانا أو تهملنا أو تتجاهلنا". مبينة أن السر في استمرارية الصداقة والتغلب على كل الظروف القاسية يكمن في التسامح وثقافة احتواء الأخطاء التي تجعل العلاقة بمأمن عن أولئك الحاقدين الكاذبين المخادعين.

ويرى الأخصائي النفسي د.موسى مطارنة، أن الصداقة هي حالة إنسانية عاشت عبر العصور وقيل فيها "رب أخ لك لم تلده أمك"، معنى من معاني الوفاء والصدق والتضحية، ويجب أن تنبع الصداقة من قناعات ومفاهيم ومبادئ مشتركة بين الطرفين تبدأ من علاقة عاطفية قوية، وهي من أسمى العلاقات.

معللا "لأنها تسمو على الذات؛ حيث إن بها حالة من العطاء والكيمياء بين الطرفين، ولكي تتم الصداقة وتكون حقيقية يجب أن تقوم على مبادئ ومفاهيم واضحة ومحددة، وأن يكون لها عمق إنساني وجذور قائمة على أشياء مشتركة يبن الصديقين ودائما ما يكون في الصداقة حالة من الذكريات والانسجام والتفاهم، ولذلك لا يمكن أن تكون الصداقة حالة عادية أو أن تكون مبنية على مصلحة أو هدف أو غاية".

ويضيف "إنما هي حالة حب عظيم مجرد من المصالح والغايات، وتضحية من أجل بعضهم البعض، ولكي تدوم لا بد من أن يكون فيها عطاء وإيثار، ويجب أن يكون هناك حالة متبادلة من الحب والعطاء بدون أن يكون هذا العطاء من طرف واحد فقط، وعندما تتولد هذه الصداقة لا بد من أن تدوم العمر كله، لأنها تبدأ من أيام الدراسة الأولى، وتستمر إلى الوفاة، ولا بد من الذكر أن هذه العلاقة ترسخ بالنفس الأمان والتوازن والمساندة النفسية".