موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
الإعدام لقاتل المطران الشهيد رحو: هل ستغلق القضية بهذا الحكم الهزيل!

أ‌. د. غازي ابراهيم رحو :

أصدر القضاء الأعلى في العراق، وهو الجهة التي تنظم شؤون القضاء في العراق، يوم الأحد الموافق 7 تشرين الأول 2018، قرارًا يقول فيه أن المحكمة الجنائية المركزية في بغداد أصدرت حكمًا بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق المجرم المتهم بقتل المطران الشهيد فرج رحو والذي استشهد قبل عشر سنوات.

وقال المتحدث الرسمي للمجلس عبد الستار البيرقدار في بيانه أن المحكمة الجنائية أصدرت قرارها بإعدام المجرم بعد اختطاف الشهيد فرح رحو عام 2008 ومقتل مرافقيه. ويقول السيد بيرقدار أن ثلاث سيارات اعترضت موكب المجني عليه وقاموا بإطلاق النار على سيارته وقتل حمايته وخطفه ومساومة الكنيسة على دفع 50 ألف دولار مقابل إطلاق صراحه، ولم تدفع الفدية! والضحية هو المطران بولص فرج رحو، أحد أساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وقد اختطف في 29 شباط 2008، وعثر على جثمانه يوم 13 آذار 2008 مقتولاً.

وتنص المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب على الحكم بإعدام كل من ارتكب بصفته فاعل أصلي أو شريكًا في الأعمال الإرهابية. ويعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكّن الإرهابيين بالقيام بالجريمة كفاعل أصلي، علمًا أن هذا الحكم بدائي قابل للطعن أمام محكمة التمييز خلال 30 يومًا من تاريخ صدوره.

إلى هنا والأمور كما يراها القاريء تمر مرور الكرام، ولكن في مقالتي هذه سوف أتطرق إلى عدد من الأمور التي أشرت إليها بعنوان المقال، ولماذا اخترت هذا العنوان، وأترك للقراء من الحريصين على هذا المكون أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، وسأسرد ذلك بشكل نقاط:

أولاً: يقول القرار أن هنالك ثلاث سيارات اعترضت سيارة الشهيد المطران فرج رحو، وقتلت حمايته وتم اختطافه. السؤال إذًا: هل هذا المجرم هو الوحيد الذي كان يقود السيارات الثلاث؟ وهو بمفرده قتل الشهداء الذين كانوا برفقة الشهيد المطران فرج رحو؟ وهل هو الوحيد الذي فعل كل هذا الفعل؟ إذًا أين بقية المجرمين إذ افترضنا أن كل سيارة من السيارات الثلاث كان يقلها شخصين أو ثلاث، فهذا معناه أن عددهم أكثر من ستة أشخاص على الأقل! إذًا أين البقية؟

ثانيًا: عام 2008، عندما تم اختطاف الشهيد المطران فرج رحو، بقي الشهيد لدى المجرمين القتلة ثلاث عشرة يومًا، يحققون معه ويطالبونه بتغيير إيمانه والردة كما قيل لنا في حينه. وكانت الكنيسة هي من تقوم بالمفاوضات بعد عدم السماح لأهله بالتدخل، كونه كان مطرانًا وهو يعود للكنيسة. وأن أحد المطارنة هو من قام بالتفاوض مع الخاطفين. لم نسمع أن القتلة طالبوا بفدية 50 ألف دولار فقط، بل المعلومات التي كانت تصل لأهله وعائلته بأنهم يطالبون مرة بربع مليون ومرة بنصف مليون وهكذا. السؤال إذًا: إذا كان القتلة المجرمون قد طالبوا فقط بمبلغ 50 ألف دولار فعلاً، فلماذا تم التضحية بالمطران فرج رحو لقاء هذا المبلغ؟ ولماذا لم يتم إخبار أهله وذوييه بقيمة هذا المبلغ؟ وهل أعطى من كان يتفاوض مع المجرمين شهادته للمحكمة، وبيّن حيثيات المفاوضات؟

ثالثًا: كنت أول من قابل المرحوم البطريرك عمانوئيل دلي بعد اختطاف الشهيد بساعتين، وكان البطريرك عمانوئيل في زيارة لعمّان، والتقيته في كنيسة العذراء الناصرة وأبلغته باختطاف المطران ومقتل حمايته، وذلك بحضور الأب خليل جعّار، وعدد من المطارنة الآخرين. وقد أعلمني رحمه الله أنه سيغادر إلى بغداد، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة في الساعة الخامسة عصرًا وهو يوم الاختطاف، وأشار إلى أنه سيطلب من القادة العراقيين بذل الجهود للبحث عن المطران. وفعلاً غادر البطريرك بعد ثلاثة أيام إلى بغداد، وعلمنا من المقربين من البطريرك أنه أرسل أحد المطارنة إلى الموصل لغرض استطلاع الأمر. السؤال إذًا: لماذا لم يتم متابعة الموضوع بهذه التفاصيل مع عائلة الشهيد، بالرغم من وجود شقيق الشهيد الأكبر في الموصل لمتابعة موضوع الاختطاف؟ ولماذا لم يتم إعلام عائلة الشهيد بجميع التفاصيل الدقيقة، خاصةً فيما يتعلق بالمبلغ والتي اعترف بها المجرم المزعوم (كما قيل) في هذه المحكمة؟ وما هو دور الكنيسة في هذا الحكم وهذا القرار وهذا الاعتراف؟ وهل سوف يتم غلق الموضوع بعد صدور هذا الحكم، واعتبار القضية منتهية من دون البحث عن الأسباب والمسببات والمسببين؟

رابعًا: في نهاية العام 2008 تقريبًا، تم الاتصال بنا لحضور تنفيذ إعدام مجرم قيل أنه سبق واعترف بقتل الشهيد المطران فرج رحو، وأن حكم الإعدام صدر وسيتم تنفيذه بالمجرم. واعتذرنا عن الحضور لأسباب قيمية تربينا عليها؟ السؤال إذًا: إن كان قد تم تنفيذ حكم الإعدام عام 2008 بمجرم اعترف بقتل الشهيد المطران ورفاقه الشمامسة المرافقين، فكيف إذًا يعترف مجرم آخر بقتل المطران؟ وهل الشخص الذي تم إعدامه عام 2008 هو من ضمن المجموعة المشاركة بقتل الشهيد؟ أم هو شخص لا علاقة له بذلك وتم التخلص منه لأسباب لا نعرفها ولا نفهمها؟

خامسًا: من خلال متابعتنا المستمرة لهذا الموضوع، دعينا شخصيًا من قبل المحكمة لتقديم الشهادة باستشهاد المطران فرج رحو، وحضرنا لتقديم الشهادة، ولكن لم تسنح لنا الفرصة لتقديم الشهادة في بغداد، وبجهود شخصية مخلصة من رئيس الوقف المسيحي مشكورًا، وبطلب منا لغرض تقديم الشهادة في السفارة العراقية في عمّان، تم استدعائي من قبل السفارة وقدمت الشهادة بشكل تفصيلي مع وضع عدد من الأسئلة والاستفسارات جزء منها مطروح في هذه المقالة. وأرسلت الشهادة عن طريق السفارة العراقية رسميًا إلى المحكمة. وكان آخر سؤال في هذه الشهادة: هل تقدم شكوى وتطلب التعويض؟ فكانت الإجابة نعم، أقدم الشكوى وأطلب البحث عن الأسباب هل هي مادية أم طائفية أم عدائية لمكون أصيل؟ السؤال إذًا: هل أخذت المحكمة بهذه الشهادة؟ وهل تم الاستفسار من المجرم المزعوم عنها؟ أي الاستفسار عن الأسئلة المطروحة في الشهادة. وماذا كانت إجابة المجرم؟ ومن كان معه؟ ومن دفعه؟ وما هي الأسباب؟

سادسًا: القرار الحالي قابل للاستئناف لمدة ثلاثين يومًا كما يقول نص القرار. السؤال إذًا: هل ستقوم محكمة الاستئناف بتخفيف الحكم؟ هل ستقوم محكمة الاستئناف بالاستفسار عن المجرمين الذين كانوا في الثلاث سيارات التي ذكرها القرار، واعترف بها المجرم، وسيتم البحث عنهم؟ هل سيتم الاستفسار من محكمة الاستثناف عن الدوافع والمسبب والممول والمخطط لهذه الجريمة؟

سابعًا: أتى القرار استنادًا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الأرهاب، وتنص على الحكم بإعدام كل من ارتكب بصفته فاعل أصلي أو شريكًا في الأعمال الإرهابية، ويعاقب المحرض والمخطط والممول، وكل من مكن الإرهابيين القيام بالجريمة كفاعل أصلي. هذا ما تنص عليه المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب. السؤال الآن: هل بحثت المحكمة عن المحرض؟ هل بحثت المحكمة عن المخطط؟ هل بحثت المحكمة عن الممول؟ هل تم البحث عن هؤلاء وتقديمهم إلى العدالة، كون قضية اغتيال الشهيد المطران فرج رحو ليست قضية جرمية فقط بل هي قضية رأي عام، وقضية مكون مسيحي حيث بسببها هاجر المئات إن لم يكن الآلاف، وتركوا أرضهم بالرغم من كونهم أصحاب الأرض الحقيقيين؟ أفلا يستحق استشهاد المطران فرج رحو وزملائه أن يكون هنالك موقف على الأقل من قادة هذا المكون في العراق، وأن يتم متابعة هذه القضية بشكل منظم من خلال منظمة أو مرجعية أو مؤسسة حقوق إنسان؟ هذا المكون الذي عانى ولا يزال يعاني؟ وأين المواطنة التي يتشبث بها المتشبثون؟

ثامنًا: بعد استشهاد المطران فرج رحو، وهجرة المئات من العوائل العراقية المسيحية من الموصل، أصدر دولة رئيس الوزراء أمر ديواني بتشكيل لجنة لغرض التدقيق والبحث عن القتلة والمسببين والنتائج وأسباب الهجرة هذه. وقد رفعت اللجنة نتائج تحقيقاتها بعد أن زارت الموصل والتقت بعدد كبير من العوائل والمواطنين، وحددت في تقريرها الأسباب والمسببات، ووضعت النقاط على الحروف في تقريرها المكون من 29 صفحة، والتي حصلنا عليها بطريقة وأخرى. السؤال الآن: أين نتائج وقرارات ومتابعات هذا التقرير الذي يبين فيه الكثير من الحقائق؟ هل تم وضعه في أدراج البعض وأغلق عليه نهائيًا بسبب مساومات على حساب المكون المسيحي؟ لماذا لم يحاسب من ذكر في هذا التقرير، وأشار بشكل أو بآخر عن الأسباب والمسببات والتوصيات التي توصلت إليها اللجنة كما تقول في تقريرها؟

أسئلة عديدة أخرى في هذه القضية، ولا توجد إجابات عليها، أطرحها بكل شفافية بعيدًا عن التأويل؟ فقط لإظهار الحقائق، والوصول إلى إظهار الحقائق، ليس في استشهاد المطران فرج رحو فحسب، إنما في البحث عن هجرة مكون من البلد كان سببه الأساسي هو القتل والتهديد والتهجير الذي أصاب مكوننا المسيحي. وأتمنى أن تكون مقالتي هذه تطرح اسئلة، وتحتاج إلى إجابات، وهي ليست موجه إلى شخص أو أحد، بل موجهه لإظهار الحق لهذا المكون الغالي.