موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

منهجية إدارة الوقت في زمن كورونا

وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق - رئيس جامعة جدارا

وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق - رئيس جامعة جدارا

د. محمد طالب عبيدات :

 

الوقت في زمن اﻷلفية الثالثة يمضي بسرعة كومض البارق اللمّاح كنتيجة لتزاحم اﻷعمال واﻷشغال والمناسبات وغيرها، بيد أنه في زمن كورونا يمضي كذلك لمن يعملوا عن بُعد وجهّزوا أنفسهم لذلك من خلال منظومة الاقتصاد الرقمي؛ وفي زمن كورونا عند بعضهم يمشي كالسلحفاة لمن سئموا  وملّوا الجلوس في المنزل كنتيجة لتعطّلهم عن العمل أو عدم امتلاكهم مهارات العصر؛ والبعض في الوضع الطبيعي لا يكفيه يومه ويتمنى المزيد -وأولئك هم المنتجون والمنجزون-، لذلك تأتي الحاجة والضرورة لإدارة الوقت لزيادة الإنتاجية والعطاء ما بين الأحداث والأعمال المهمة والمستعجلة؛ وفي زمن كورونا لمثل هؤلاء المنتجين من بني البشر هنالك حاجة لمزيد من كفاءة إدارة الوقت.

 

وقت اﻹنسان للاقتصاد يعني المال واﻹنتاجية والتنافسية والعطاء فقيمته مهمة وضياعه خسارة، وللأسف معظمنا يؤطّر هذا الوقت لأقل ما يمكن وما هو مطلوب من قبل صاحب العمل؛ وفي زمن كورونا بات النمو الاقتصادي واقتصاد المعرفة في غاية الأهمية؛ كما أنا الإنتاجية وروحية العطاء مطلوبة لتعويض الخسائر في تباطؤ النمو وانتمائه الملف الاقتصادي العالمي.

 

ووقت اﻹنسان للاجتماعيات هو الذي يؤطر العلاقات اﻹنسانية ويعززها لكن كنتيجة لكثرتها في بلادنا يُطلب تأطيرها أو اختصارها وإلا فإنها تستهلك يومنا، وهذا فعلاً ما يحدث مع معظم الناس، وأعتقد بأنه حان الوقت لنتغيّر ونُغيّر في كثير من عاداتنا الاجتماعية لغايات التركيز على إنتاجيتنا وإنجازنا أكثر؛ وزمان جائحة كورونا بات الوقت الأمثل لتأطير مناسباتنا الاجتماعية سواء في أفراحنا أو أتراحنا أو حتى تواصلنا وآلياتها عن بُعد.

 

ووقت اﻹنسان للراحة والنوم جلّ مهم وإلا سيفقد بوصلته ويفقد نفسه وينساها ﻷن الصحة ذروة سنام الحياة، وهنالك أُطر للراحة والنوم وفق عمر الإنسان وحالته الصحية؛ وفي زمن كورونا البعض طفح كيل النوم عنده ممن لا يعملون عن بُعد؛ بيد أن مقياس النوم انخفض كثيراً عند العاملين عن بُعد لدرجة أنهم لا يجدون وقتاً للراحة مطلقاً؛ ولكن ما أطال النوم عمراً ولا قصّر في الأعمار طول السهر.

 

ووقت اﻹنسان للعمل يجب استغلاله بالمفيد ﻷن اﻹخلاص في العمل دون ضياع الوقت هو أساس الرزق الحلال، والإخلاص بالعمل أيضاً يؤول لراحة الضمير وهداة البال والرضا عن النفس ويعزز الانتماء؛ وفي زمن كورونا باتت كفاءة العمل ومؤشر الإنتاجية والعمل المرن مقاييس جلّ مهمة لغايات أن يكون كل واحد فينا ‹مخلص› وليس ‹مخ لص› من سارقي وقت المؤسسات.

 

ووقت اﻹنسان للرياضة والثقافة والتعليم ربما يعتبره البعض ثانوياً أو كمالياً لكنه أساس منظومة العقل السليم في الجسم السليم، والمواءمة بينها ضرورة لغايات الحفاظ على صحة وعقل متوازنين؛ وفي زمن جائحة كورونا أصبحت ممارسة الرياضة أساسية لمحاربة الوزن والحمولة الزائدة كنتيجة للجلوس على الصوفة لمن لا يعملون أو الجلوس على الكراسي لمن يعملون عن بُعد.

 

ووقت اﻹنسان لبقية اﻷشياء الأخرى مهم ومتنوع فالتربية والتأمل والاتصال والقراءة والتنقل والمحبة والشعور وغيرها ضرورة لكن دون إفراط ولا تفريط؛ وفي زمن جائحة كورونا باتت القراءة والكتابة والتأمل والإيمان والتواصل الاجتماعي عن بُعد وغيرها كلها مهمة لأن الحياة إبان كورونا ليست كما هي قبلها؛ فكيف ببعدها!

 

مطلوب تنظيم واستغلال الوقت ﻷننا سنحاسب عليه يوم القيامة والوقت الضائع جريمة بحق اﻹنسان تؤدي للندم وعلينا استغلاله بالمفيد، وعلينا الابتعاد عن مُضيّعات الوقت والتي يعلمها الجميع؛ وحتماً إبان جائحة كورونا الوقت يمضي كالسيف للعاملين وكالسلحفاة للمتقاعدين أو القاعدين.

 

وأخيراً؛ الناس هذه اﻷيام تعيش أزمة الوقت وإدارته بالرغم من أدوات التكنولوجيا التي تقرّب المسافات، لكن كثرة اﻷشغال وتنوعها تحتّم علينا عمل تغييرات جذرية في منظومتنا اﻹجتماعية لغايات اﻹستغلال اﻷمثل للوقت، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه بالمفيد قطعك بالحسرة والندم! وزاد الأمر أهمية جائحة كورونا ليصبح الوقت فيها من الألماس للعاملين عن بُعد.

 

(الدستور)