موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠٢٠

مسجدٌ كل يومين تقريبًا

أديب وإعلامي أردني

أديب وإعلامي أردني

رمزي الغزوي :

 

في ضاحية صغيرة من ضواحي مدينة متوسطة الحجم لدينا؛ ستجد أكثر من ستة مساجد مجهزة من السجاد إلى التكييف حتى السيراميك ختاماً بالستائر. (بالطبع إلا الحمامات؛ فهي في أغلب مساجدنا تنتمي إلى كوكب آخر). هذه المساجد لا تكاد تمتلئ إلى ثلثها إلا يوم الجمعة، وأوائل رمضان.

 

وفي هذه الضاحية تحديدا يُحشر أو (يُزرب) أولاد مدرسة أساسية بمدرسة مستأجرة، كل 50 طالباً بغرفة مساحتها تقل عن 20 متراً مربعاً. وفي المدينة ذاتها أكثر من ثلاثين مسجدا، بعضها لا يبعد عن الآخر 100 متر. وفيها امتدت يد البناء إلى شبه الحديقة الوحيدة لديها، ليس لإضافة مقاعد أو ملاعب أو تحسين أحوال النظافة، بل اقتطعوا جزءا منها لغرس مسجد.

 

التوصيف الأقرب إلى الدقة في كثير من بلداتنا الكبيرة أن ما بين المسجد والمسجد مسجداً. وهذا لا يقيس مستوى التدين بقدر ما يؤشر إلى ارتفاع منسوب العشوائية التي سارت وتتسير عليها تلك العملية. فحسب احصائيات وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الغسلامية فإن عدد مساجدنا سيبلغ 7300 تقريباً نهاية هذا العام، بمعدل نمو يساوي مسجداً كل يومين تقريبا.

 

ولدي رقم لم أستطع أن أتأكد من دقته. لكنه يبدو منسجما مع تلك الإحصائيات. ففي العقدين الماضيين تم بناء مساجد بقيمة لا تقل عن 8 مليارات دينار. بالطبع الحكومة لم تدفع فلسا منها، فكل المبالغ جاءت من هبات خارجية، أو تبرعات داخلية. وكان دورها فقط أن سمحت بكل عشوائية، وعدم تخطيط ليتم هذا التوسع غير المدروس، مما سبب نقصاً حادا في الأئمة وخدام المساجد. حتى أنك قد تسمع من سماعة مسجد متهالكة طفلاً في الخامسة يرفع الأذان.

 

الثقافة الطاغية لدينا تحصر وتقصر فعل الخير فقط في بناء المساجد وتجهيزها والعمل على رفاهيتها وتجديد ستائر شبابيكها. وتنسى أن تلك المبالغ، وتلك الجهود لربما تستثمر في بناء مدارس جديدة عصرية، لا يقل فيها الخير والفائدة عن المسجد. وكذلك تستثمر في حدائق ومكتبات وتصليح شوارع، والسعي لتحسين جودة حياتنا؛ ناهيك أنها قد تكون على شكل وقف يخدم الجامعات والمستشفيات.

 

معظم الجامعات الأمريكية والأوروبية بنيت من التبرعات العامة، من هارفرد إلى فيلادلفيا في بنسلفينيا. ونحن أغلقنا الأبواب في وجه الخير، إلا لبناء مساجد انتشرت بصورة لن يرضاها جوهر ديننا القويم.

 

(الدستور)