موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ مارس / آذار ٢٠٢٠

محبة القريب هي محبة الله

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك

 

حاول الكَتَبَة والفريسيون أن يجربوا يسوع بأسئلة متنوعة، بينما كان هناك أناس آخرين يسألونه بصدق بحثاً عن أجوبة منه. وتكرّر أحد هذه الأسئلة من شخصين مختلفين، أراد أحدهما أن يتعلم من الرب يسوع، بينما أراد الآخر أن يجربه. وكان السؤال عن أعظم الوصايا.

 

1. لنقرأ من الكتاب المقدس، العهد الجديد، ماذا قال يسوع عن هذا السؤال: وبلغَ الفِرِّسيين أنَّهُ أفحَمَ الصَّدُّقِّيين فاجتَمَعوا معاً. فسأله واحِدٌ مِنْهُم لِيُحرِجَه: يا مُعلّم، ما هي الوصيَّةُ الكُبرى في الشَّريعة؟ "فقال لَهُ: "أحبِبِ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلَّ قلبِكَ وكُلَّ نفسِكَ وكُلِّ ذِهنِكَ. تِلكَ هي الوصيّةُ الكُبرى والأُولى. والثانية مِثلُها: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ. بِهاتَين الوصِيَّتين تَرتَبِطُ الشَّريعَةُ كُلُّها والأنبياء" (متى 22: 34-40).

 

2. ودَنا إليه أحدُ الكتبة، وكان قد سَمِعٓهم يُجادِلونَهُ، ورأى أَنَّهُ أَحسَنَ الرَّدّ عليهم، فسأله: "ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوصايا كُلِّها؟" فأجابَ يسوع: "الوصِيَّةُ الأُولى هي: "إسمَعْ يا إسرائيل: إنَّ الرَّبَّ إلهَنا هو الرَّبُّ الأحَد. فأَحببِ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نفسِكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ". والثَّانيَةُ هي: "أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنفسِكَ". ولا وَصيَّةَ أُخرى أَكبرُ من هاتَيْن" (مرقس 12: 28-38).

 

ماذا يقصد يسوع بِحُبّ الله؟

 

فحب الله من كل القلب هو أهم الوصايا، ولكن ماذا يعني أن تحب الله؟

 

بحسب الكتاب المقدس، فالحب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفعل، وخصوصًا محبة الله فهي تعني أن تعمل إرادة الله، أي وصاياه ورغبته. وقد بسَّط يسوع هذا الأمر بشكل كبير عندما قال: "إذا كُنتُم تُحِبُّوني، حفظتُم وصَاياي... وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أيضاً أُحِبُّهُ، فأُظْهِرُ لَهُ نفسي". قَالَ لَهُ يَهُوذَا غَيرُ الإِسْخَرْيُوطِيَّ: يَا ربّ، مَا الأمرُ حَتَّى إِنَّكَ تُظْهِرُ نَفْسَكَ لَنَا وَلا تُظهِرُها لِلْعَالَمِ؟ "أجابهُ يسوع وقالَ لَهُ: "إذا أحَبَّني أَحَد، حفِظَ كلامي فأحَبَّهُ أَبِي، ونأتي إِلَيْهِ فَنَجعَلُ لنا عِندَه مُقاماً. ومَن لا يُحِبُّني لا يحفَظُ كلامي" (يوحنا 14: 21-24).

 

إن محبة الله وحفظ وصاياه وتعاليمه شيئان يُكمّل أحدهما الآخر، كما أوضحه يسوع  في عظاتهِ. فمن يحب الله يحفظ كلمة الله ومن لا يحفظ كلمة الله لا يحب الله! فمحبةُ الله التي هي أول الوصايا تعني أن أعمل بمحبة مرضاة الله وإرادته، وهو أمر مطلوب من كُلِّ واحدٍ مِنّا  يومياً.

 

لنتأمل في  بعض الآيات من رسالة القديس يوحنا الأولى التي توضح لنا معنى حب الله:

 

"أمَّا نَحْنُ فإنّنا نُحِبُ لأنَّنه أحَبَّنا قَبْلَ أن نُحِبَّه. إذا قَالَ أحَدٌ: "إنِّ أُحِبُّ الله" وهو يُبغِضُ أَخاه كان كاذِبًا، لإنَّ الذي لا يُحِبُّ أخاه وهو يراه لا يَسَتطيعُ أَن يُحِبَّ الله وهو لا يَراه. إليكُمُ الوصِيَّةَ التي أخَذْناها عَنهُ: مَن أَحَبَّ الله فليُحِبَّ أخاه أيضًا" (يوحنا 4: 19-21). "ونَعلَمُ أَنَّنا نُحِبُّ أبناءَ الله، إذا كُنَّا نُحِبُّ الله ونَعمَلُ بوَصاياه (يوحنا 5: 2) ومهما سألناه نَنالُ منه، لأَنَّنا نَحفَظُ وَصاياه ونَعمَلُ بما يُرضيه" (يوحنا 3: 22).

 

إن حُب الله من كل القلب هي أهم الوصايا، ويعني أن تفعل إرادة الله ومشيئته. فلا يوجد ما يسمى بأن نحب الله ونعصيه في وقت واحد. ولا يوجد ما يسمى بأن تؤمن بالله وفي الوقت نفسه لا تخلص له. فالإيمان بالله وبكلمته يعني أن تكون مخلصاً لله ووصاياه وتعاليمهِ. فمن المستحيل أن نحب الله والقريب بدون أن نُطهّر أنفُسنا من الخطايا، وبدون مساندة حضور الروح القدس الذي يسكن في قلوبِنا. ولكننا كمؤمنين،  وقد تطهرّنا من الخطايا بدم يسوع الذي سُفِكَ على الصليب، ولنا الروح القدس الساكن فينا.

 

كيف نبدأ في محبة الله والقريب، ماذا يجب علينا أن نفعل؟

 

كما طلب ابو الصبي المصاب بالصرع من يسوع قائلاً: "أشفِقْ علينا وأَغثنا".. آمنتُ، فشَدِّدْ إيمانيَ الضَّعيف" (مرقس 9: 22-24). طلب بثقة ومن كلِّ قلبه أن يُعين عدم إيمانه، كذلك نحن يمكن أن نطلب من الله أن يساعدنا في النواحي التي لا نحبه فيها بكُلِّ  قلوبنا ونفوسنا وفكرنا وقوتنا. نحن بحاجة إلى قوته حتى نفعل المستحيل، والبداية هي بأن نطلب تلك القوة ونتمسك ونَعمَلُ بها.

 

إنَّنا متشوقون لدراسة كلمة الله، ومستعِدّون للصلاة، وطاعة الله وإبنه يسوع المسيح المتجسّد من أجل خلاصنا وإكرامهما في كل وقت. من خلال هذه التدريبات الروحية: الصلاة والطاعة والتعمّق بكلمة الله تنمو محبتنا لله وللقريب وتنضج لمجده.