موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٦ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

ما بعد أزمة كورونا

وزير أردني سابق، ورئيس جامعة جدارا

وزير أردني سابق، ورئيس جامعة جدارا

د. محمد طالب عبيدات :

 

بالرغم من كل التحديات التي يواجهها العالم بأسره هذه الأيام في ظل أزمة وباء كورونا؛ وبالرغم من الغُمّة والأزمة التي يعيشها الناس وهواجس الخوف عند الكثيرين؛ وبالرغم من الأرقام التي وصل إليها الوباء في عدد الإصابات والوفيات؛ وبالرغم من التعب والإرهاق والسهر الذي تعيشه الطواقم الطبية والأمنية والعسكرية؛ وبالرغم من فقدان البعض للغة الصبر والحلم؛ وبالرغم من تشاؤم الكثيرين وتوقّعاتهم السلبية؛ وبالرغم من كل شيء حتماً ستمر أزمة كورونا تماماً كما مرّ على هذا العالم من أزمات وتحديات غيرها؛ وسيعود العالم لطبيعته؛ والسؤال الكبير ماذا أعددنا لما بعد كورونا؟

 

العالم سيتغير تغيراً مذهلاً بُعد كورونا؛ وأجزم بأن التغيّرات السياسية والاقتصادية ستطفو على السطح؛ فصراعات القوى الكبرى جلي وواضح في التقنيات والتكنولوجيا والطب والحرب الجرثومية وغيرها؛ وهذا حتماً سيجعل العالم يفرز مراكز قوى جديدة في العالم أساسها تكنولوجي قبل أن يكون سياسي؛ والنمو الاقتصادي كنتيجة لوقوف عجلة الاقتصاد في معظم دول العالم سيتأثّر سلباً؛ وأول مؤشر على ذلك الهبوط الحاد في أسعار النفط؛ لكن الأهم من ذلك فرص العمل وتسريح الكثير من العمالة إبّان أزمة كورونا وهذا يجعل الناس تفتّش عن فرص عمل جديدة والتي لا يمكن أن تحل مشاكلها سوى باستثمارات جديدة في مجالات تعزز الإنتاجية.

 

ونظام الحياة الاجتماعية بعد كورونا سيتغير بصورة مذهلة؛ فالعادات الاجتماعية التقليدية ستندثر إلى غير رجعة؛ وسنجد مناسبات الأفراح والأتراح مقتصرة على الأقارب من الدرجة الأولى؛ وستكتفي الناس بوسائل التواصل الاجتماعي لمعظم مناسباتها؛ وستحرص على المسافات الآمنة والتباعد الاجتماعي وستأخذ الحذر.

 

حتى النظافة بعد كورونا ستكون من الدرجة الأولى؛ وسيكون الناس أكثر حرصاً على نظافتهم وبيئتهم لإيمانهم بأن النظافة هي مفتاح الوقاية من الأمراض؛ وبذلك تكون البيئة أجمل وأنظف؛ وتكون جمالية الكون أنظم.

 

والعمل عن بُعد والتعليم عن بُعد سيتعززان بعد كورونا؛ لأن الناس تعوّدت نمطاً بالعمل ليس كلاسيكياً وكذلك في التعليم الذي حقق قفزة نوعية صوب استخدام التكنولوجيا العصرية والتواصل عن بُعد؛ وهذا سيخلق حالة جندرية تعزز عمل المرأة من البيت دونما تنقّل مرهق لمكان العمل لتصبح ثقافة مجتمعية محمودة.

 

واحترام رجالات الجيش والأجهزة الأمنية والكوادر الطبية والخدمية سيكون على أوجه وفي سمو دائم؛ لأن هؤلاء كانوا نشامى وفرسان وجيوش حق لحماية الناس جميعاً من انتشار الوباء؛ فشكراً للجميع من القلب على جهودهم المضنية والوطنية الصادقة؛ وحتى الإعلام ربما يتحوّل جُله للإلكتروني حيث النظافة دونما ورق والتقنية للعمل عن بُعد والأرشفة وسرعة الوصول للمعلومة والتماشي مع روح العصر في زمن الألفية الثالثة للمضي قُدماً في تقننة الإعلام ليكون عصرياً.

 

وحتى أخلاقيات الناس بعد كورونا ستتغير؛ فالجرعة الإيمانية والروحانية التي أخذها الناس عظيمة وفيها دروس وعبر لا يمكن نسيانها؛ فالإيمان بالقيم والمبادئ والقيم العائلية سيكون أساساً للحياة.

 

مطلوب اليوم أن ننتبه للتطلعات بعد انتهاء أزمة كورونا والتي نرجو الله مخلصين أن تنتهي بالسرعة القصوى حفاظاً على وطننا وشعبنا؛ فالتطلعات جسام والقافلة تسير؛ والأمل يحدونا للأفضل.

 

وأخيراً؛ العالم بعد كورونا حتماً ليس نفسه قبل كورونا؛ ولذلك مطلوب إعداد العدة استباقياً لأخذ كل الأبعاد بعين الاعتبار؛ ونحن إذ نعاني من أزمة اقتصادية وتجذّرت إبان الأزمة بكورونا فإننا نتطلع لخطط حكومية اقتصادية تهدف لزيادة النمو الاقتصادي وتحسين ظروف بيئة العمل والاستثمار؛ وهذا جزء من توجهات جلالة سيدنا للحكومة؛ ليكتمل النصر على كورونا ويصبح نصراً مؤزراً بحول الله تعالى.

 

(الدستور الأردنية)