موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ فبراير / شباط ٢٠٢٠

ليزيل عني العار

بقلم :
د. رامي نفّاع - الأردن
لقد أيقنتُ بأن هذا هو الحب، حيث كنتَ دائمًا بانتظاري

لقد أيقنتُ بأن هذا هو الحب، حيث كنتَ دائمًا بانتظاري

 

على الرغم من الصراعات الكثيرة التي أخوضها بشكل يومي مع ما هو حولي، إلا أن هذه الصراعات لا تخيفني، إن ما يخيفني حقًا ويرهقني هو صراعي الدائم مع نفسي، ذاك الصراع الذي يستنزف كل قوتي ويربكني، ويشل تفكيري.

 

أشعر أحيانًا بالخجل، وأحيانًا أخرى بالخوف من أمر ما لكنني أعجز عن تبين ماهيته، فأجد نفسي أداري ما فيّ عن كل من حولي، ولربما عني أنا أيضًا. أشعر بالفراغ أو الخواء، بألا معنى، ولا قيمة وأبحث عن حل لما يعتريني فأعتقد أحيانًا أن المال هو الحل ومن شأنه أن يعطي المعنى أو القيمة أو حتى يمكن أن يزيل الخوف أو الخجل، وأحيانًا أخرى أن السلطة والنفوذ هما الحل، وأكد في الوصول إليهما، وأحيانًا أخرى أتصنع السعادة وأتظاهر بها، علها تكون الحل، فتتنوع طرقي وتتلون حلولي، وفي نهاية اليوم، أجد نفسي أمام كماليات لا تُسمن ولا تغني من جوع. لأخلص إلى أن ما يهزني من الداخل، لا يهدأ إلا من الداخل.

 

وحين أواجه نفسي وأغوص فيها أجد بداخلي تشوهات وانكسارات، بداخلي شيءٌ ما ناقص، وأعجز عن ملئ هذا النقص. دائمًا ما أمر بلحظات أشعر فيها كأنني متروكًا في صحراء روحي، ويزداد الأمر رعبًا حين يمر في البال فكرة أني مُلقى هنا أو محكومٌ عليّ بهذا. وكلما أشتد الصراع اشتدت رغبتي في السعي والبحث عن طريق أسير به للخروج، لربما من ذاتي أولاً، ومن خوفي وتشوهات وجداني وصراعات فكري. أبحث عن بابٍ أعبر منه، أو عن ملجأ أستكين فيه ويقيني غربة صحراء الروح هذه وقسوة أفكاري وانكسار نفسي. وحين أغوص في متاهات هذه الموجود المسمى (أنا) وعمق هذه النفس، يتسلل النور إليّ شيئًا فشيئًا، فأجد الطريق والباب والملجأ، أجد الجواب يتسلل إليّ من داخلي من هذا العمق الذي كنت أخافه، أجد الجواب... يسوع... يسوع هو الطريق (يو14: 6) طريق الحياة، والباب (مت7: 14) باب الملكوت، والملجأ، هو من قال لا تخافوا (مت28: 20)، هو من قال تعالوا إليّ (مت11: 28).

 

تزداد شدة النور في داخلي، تزداد قوتي لأواجه انكساراتي وتشوهات ذاتي وخجلي، وأجدني أردد مع أليصابات "ليزيل عني العار" (لو1 :25). عار خطيئتي وعار كبريائي وعار توهان بوصلة روحي وقلبي عنه. فأعود أدراج ذاتي منتصرًا ولأول مرة دون صراع، لأن يسوع خاض المعركة عني، وأنتصر على كل مخاوفي، ولم يترك لي إلا خطوة الرجوع إليه والتمسك به وتجديد رجائي وثقتي بوعوده.

 

حينها أيقنت أنك يا يسوعي كنت دائمًا صمام الأمان لقلبي، وضابط أفكاري وموجه سلوكي، أيقنت أنك كنت معي حتى في انشغالي عنك وتركك. وأيقنت أيضًا بأن هذا هو الحب، حيث كنت دائمًا بانتظاري وأنت تسكن أعماقي التي كنت أخاف دائمًا من مواجهتها.