موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠٢٠

لكنه مرّ من بينهم ومضى

بقلم :
د. رامي نفّاع - الأردن
كم أجد نفسي اليوم شبيهًا بهم، أبحث عن الله بعيونٍ مغمضة، وأصبو لسماع صوته بأذان صماء!

كم أجد نفسي اليوم شبيهًا بهم، أبحث عن الله بعيونٍ مغمضة، وأصبو لسماع صوته بأذان صماء!

 

تعبتٌ من محاولة تبين إرادة الله في حياتي، وفهم مشيئته في الكثير من المواقف والأحداث التي أمرّ بهل أو يمرّ بها مَنّ حولي. أجد نفسي عاجزاً تمامًا ولا أملك سوى الانتظار بكثير من الصبر أن يحث التغير أو تحدث معجزة ما ويشق معها نور المعرفة وروح الفهم.

 

أنظر حولي، كل شيء كالمعتاد "لا جديد يُضاف أو قديم يُعاد"، حالة من الملل تسيطر على تقييمي للأحداث. مع كوني أكاد أجزم أنني أتطلع كل يومٍ نحو شيء جديد، وأتنقل بين الأماكن والأشخاص علنيّ أجد ضالتي، لكن دون جدوى. لكني تعلمت بدافع من الإيمان أن أصبر وأترقب، وأن الثمار وإن تأخرت لا بد أن تنضج ولا بد أن يطيب مذاقها. ولهذا حرصت دائما على ممارسة الإيمان وطقوسه وعيش تعاليمه، ولا زلت مع هذا كله عاجزاً عن رؤية الله، ويسيطر السؤال عليّ، لماذا لا أختبر المعجزات؟ أو على الأقل أكون شاهدًا عليها.

 

في غمرة تفكيري هذا، قررت أن أستريح على شاطئ القراءة، وأن أستظل الكتاب المقدس، وإذ بي أجد نفسي أقرأ ما تيسر من إنجيل لوقا3: 14 وكيف دُفع ليسوع أن يقرأ في المجمع من سفر النبي أشعيا، وأتوقف طويلاً اما هذا الإعلان الواضح والجلي لحقيقة يسوع، هذا الوضوح الذي أبحث عنه في حياتي اليوم، حيث بشكل مباشر ووجها لوجه وعلى مسمع جميع الحاضرين يعلنها المسيح مدوية "اليوم تمت هذه الآية بمسمع منكم" (لو 3: 21).

 

وعلى الرغم من انتظار اليهود للمخلص بفارغ الصبر وكثير من الترقب، إلا أنهم لم يقبلوه حين ظهر، لقد أغمضوا عيونهم عنه، وصموا آذانهم عن صوته. كان بينهم وأمامهم ومعهم، قريبا جداً منهم حد الاندماج بهم، واضحا وضوح الشمس في سيره وسيرته، في عمله ومعجزاته، لقد احيا الموتى وغفر الخطايا، ومع ذلك انتظروا غيره.

 

كم أجد نفسي اليوم شبيهًا بهم، أبحث عن الله بعيونٍ مغمضة، وأصبو لسماع صوته بأذان صماء. أتجاهل عمله الصالح فيَّ، وفي نفوس الكثيرين غيري، وأتجاهل حضوره في الطبيعة وفي الجمال وفي قيم الخير والحق. حين رفضه اليهود في المجمع "مر من بينهم ومضى"، ويا خوفي أن أكون أنا أيضًا مرّ بي يسوع ومضى في غفلة مني أو في لحظة ممن الوعي الزائف. تيقنت حينها أنني أنظر بعيدًا سعيًا مني لرؤية شيئًا كان أمامي، ولربما دون علمي كان بداخلي.