موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

كي تكون قائدا تربويا حقا

حسني عايش

حسني عايش

حسني عايش :

 

على الرّغم من صعوبة دراسة القيادة، مع اختلاف النظريات فيها، تبقى بينها عناصر مشتركة عند معظم أصحابها، وهي عند القائدين التربويين م. دنوالد ثوماس و إي. إي. ديفس (يتصرف) كما يلي:

 

• القيادة عرضية تختلف بين موقف أو حادث وآخر، فقد يجعل الحادث أو الموقف شخصا ما موجودا بالصدفة في المكان الصحيح والوقت المناسب، قائدا.

 

• وقد تنشأ القيادة بالثورة، أو بالتدريج، أو بالاختيار، أو بالانتخاب…

 

• في جميع الأحوال فإن القائد هو الشخص/ة الذي لديه أتباع يعترفون بقيادته فبدونهم لا توجد قيادة.

 

• والقائد يعمل على تحقيق هدف أو أهداف الاتباع ويقودهم إلى حيث يريدون.

 

• يتمسك القائد بالأخلاق فيما يقرر أو لا يقرر. يجب أن تبقى الأخلاق حاضرة دائما في جميع قرارته.

 

• دراسة القائد للتاريخ ومذكرات القادة ونماذجها، ضرورية، فهي تجبر القائد على تقييم افتراضاته وقيمه. كما أنها تشحذ بصيرته الخاصة بشخصية القائد وعمليات اتخاذ القرار.

 

• إذا كنت تطمح إلى أن تكون قائدا تربويا فيجب أن تملك:

 

1– إحساسا قويا بالأمن الشخصي. وأن تقبل الحقيقة أن المسؤولية تعني اتخاذ قرارات، وعندما تملك هذا الإحساس، فإنك قد لا تندم على قرار اتخذت أو لم تتخذ.

 

2– يتكون الأمن الشخصي من تأمين مقومات العيش الكريم، ومن التعلم الدائم، ومن الإيمان بالنفس.

 

3– واعلم أن القيادة ليست مسألة سهلة. إنها معقدة وصعبة، فأن تكون قائدا يعني اتخاذ القرار الصحيح مخاطرا بمركزك أو بعملك أو بوظيفتك، أو بالمساومة على المبادئ الأخلاقية للمحافظة عليها. لكن عندما يكون القائد مالكا للأمن الشخصي فإنه يتخذ القرار الأول. لقد شرب سقراط السم على ألا يتخلى عن تعليم الحقيقة للشباب.

 

4– يجب فصل التفضيلات عن المبادئ، فالحياة اليومية تتكون من 98 % من التفضيلات و 2 % من المبادئ. إن المساومة على المبادئ الأخلاقية فعل ذاتي مدمر.

 

5– تذكر دائما أن المعرفة هي مصدر الحكمة، أي أن الحكمة هي أعلى درجات المعرفة فتعلم دائما من دروس التاريخ ومذكرات القادة، والفلسفة، والبحوث، وزر المدارس والجامعات المتميزة، وتعلم بقدر ما تستطيع من زملائك.

 

6– ضع في عقلك أن القوة/ السلطة كالمشروب القوي، فقد تسكرك وتدمر نفسك وتفسد عملك، وعليه افتح المجال لمشاركتك فيها. إن قوتك أو سلطتك يمكن أن تستخدم لدعم العدل والإنصاف والصدق، أو لفعل الشر باسم الصالح العام. مع أنه لا يمكن للشر أن يرضى عن غاية نبيلة.

 

7– احذر "مصادر الإلهام" (Gurus) الذين يبيعون معادلات سحرية لصنع القيادة. واعلم ان المشاركة في المشاغل والندوات الخاصة بالقيادة قلما تضيف القيمة إلى الكلفة. إن القيادة سلسلة من الكفاح الحياتي الطويل لا يأتي من ست تقنيات، أو سبع عادات، أو 12 مهارة للقيادة. مثل هذه الادعاءات قد تساعد، ولكنها ليست الطريق إلى القيادة فتعلّم من الأفراد الذين تحترمهم وتعجب بعطائهم.

 

8– لا تنس أبدا أن الأتباع هم شرط القيادة الأول، فعاملهم كغايات وبود واحترام، وليس كوسائل لغايات خاصة، أو لأغراض شخصية، مثل طباعة مؤلفاتك على ورق المؤسسة وبأجهزتها البشرية والتكنولوجية، أو احضار الأولاد من المدرسة، أو شراء حاجيات الأسرة… وإلا كنت نصابا أو لصا وليس قائداً، وإن كنت تتحدث بلغة القائد.

 

9– يجب على القائد خلق ظروف تمكن الأتباع من النمو، وإلى إشراكهم في عمله… يقول بيتر دراكر(1996): "ان الدرس الرئيس الثاني أن الشخصية القيادية، وأسلوب القيادة، والصفات القيادية، غير موجودة. إن التعريف الصحيح للقيادة أن شخصاً ما لديه أتباع".

 

ولعل ذلك ينطبق أكثر ما ينطبق على المعلمين والمعلمات، والمديرين والمديرات وكل رئيس جامعة أو عميد كلية أو رئيس قسم أو عضو هيئة تدريسية، إذا تصرفوا كقادة تربويين وليس كمجرد إداريين يوميين، وعندما يكونون كما وصفنا فإن مشكلات التعليم تتراجع والمخاوف والأخطاء والصغائر… تضعف وتتلاشى.

 

وأخيراً يقول هوراس مان المربي الأميركي الكبير (1796–1859): "من العار على المرء أن يموت ما لم يكن قد حقق نصرا ما للبشرية". ومن أجل ذلك يجب تعليم الناس تقديم الصالح العام على الصالح الخاص، والسماحة بدلاً من التسامح أو التعصب، والتعايش السلمي بدلاً من العداء، والتوافق بدلاً من المساومة أو التطرف. يجب أن يكون القادة التربويون رسوليين وبحماس، لأن التعليم أو التربية رسالة.

 

يقول الشاعر الفرنسي الكبير بول أمبروز فاليري (1871-1945): "المشكلة في أيامنا هذه أن المستقبل لم يعد يأتي كما كان". بمعنى أن المستقبل كان في الماضي نسخة من الحاضر، لأن التغير كان بطيئاً جداً وقد يموت المرء دون أن يحس به. أما اليوم فالتغير سريع بل متسارع والزمن يبدو قصيراً بمقدار سرعته، مما يجعل الغد شيئاً مختلفاً عن الأمس، وهي إحدى أكبر مشكلات التربية والتعليم، التي تستدعي وجود قيادات تربوية كفؤة لمواجهة تحديات المستقبل وأخطاره.

 

تنبأ القائدان التربويان تومان وديفيس المذكوران في الحلقة السابقة في كتيبهما عن القيادة في القرن الواحد والعشرين بما يلي (بتصرف):

 

• تناقص ميزانيات التربية والتعليم، مقابل دعم البدائل المدرسية (مثل التعليم عن بعد اليوم).

 

• طلب متزايد على المساءلة لتحسين نوعية التعليم ولإعداد طاقة عاملة قادرة على العمل بنجاح في العصر التكنولوجي القادم.

 

• تزايد التوقعات لإعداد الأطفال للعيش في مجتمع تعددي ومضطرب، وذوي حاجات تربوية خاصة كثر، وإلى تعلّم مزيد من اللغات.

 

• اشتداد الخلاف وربما الصراع بين التربويين حول حاكمية التعليم والمناهج، والمرافق المدرسية الآمنة والمؤاتية للتعلم والتعليم، وأسس القبول في الجامعات، والوصل والفصل بين أنواع التعليم، وأساليب التعليم. ولكنهما لم يشيرا إلى نظريات التعلّم والتعليم اللازمة لتعليم وتعلم جيدين على أهميتها البالغة.

 

• الضغط من أجل إدخال المزيد من التكنولوجيا في التعليم لتحسين نوعيته، مع الانتباه أن التكنولوجيا نفسها تسهم في توسيع الفروق بين الغني والفقير.

 

• كانت القيادة في الماضي تدور حول الناس فقط، أي كان الناس موضوعها، ثم أضيفت التكنولوجيا إليها فيما بعد، كما هو حاصل اليوم مما، يوجب على القائد التربوي اكتساب المعرفة التكنولوجية الجديدة بالإضافة إلى الحكمة، والقدرة على الإقناع، والالتزام بالعدل والإنصاف والنزاهة.

 

• تعليم المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان (وممارستهما).

 

القيادة نشاط أو عدد من النشاطات المرئية من العاملين /الأتباع في مؤسسة كالمدرسة والجامعة… يلتقون بإرادتهم لخدمة الصالح العام، والعمل معاً في ضوء الحقيقة، فلا ينسى القائد ذلك.

 

والقائد ليس فوق القانون وليس فوق الأخلاق بل مجسد لهما. والحاجة إلى القائد في ميدان التربية والتعليم أقوى منها في أي ميدان آخر، وهي بالمثال أكثر منها بالحوار والجدال، وإلا فعلينا أن لا نلوم سوى أنفسنا، إذ تخرج التلاميذ والتلميذات في المدرسة، والطلبة في الجامعة ناقصي المعرفة وسيئي الخلق اقتداء بمن قادوهم وعلموهم.

 

وليكون القائد مؤثراً وفعالاً يجب عليه التقيد بقيود ملزمة كما يفيد جون جاردنر في كتابه عن القيادة، ولكن ليس فعالاً مثل هلتر (أو مثل كيم أون جونج في كوريا الشمالية) إنه بحاجة إلى معايير لازمة لها، يحكم على القائد من خلالها كالقيم أو المبادئ التي يلتزم بها.

 

وحسب جاردنر هناك خمسة أنواع من القادة يجب استبعاد نماذجهم من القيادة التربوية وهم:

القادة الذين يعاقبون الأتباع.

القادة الذين يعاملون الأتباع بالحسنى. ولكنهم يشجعونهم على الأفعال الشريرة ضد الآخرين.

القادة الذين يجعلون الأتباع يعتمدون عليهم.

القادة الذين يستخدمون التعصب والكراهية والانتقام والتخويف.

القادة الذين يدمرون الكرامة الإنسانية.

 

إذا لم يكن القائد التربوي مؤمناً برسالة التربية والتعليم فإن عليه ان يدرك موقعه. وإذا لم يؤمن بالعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص فإن عليه أن يتنحى.

 

وليعلم القائد التربوي أنه لا يمكن للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن تبقى وترسخ في مجتمع لا يفهم مبادئها، أو غير مطلع على الدستور والميثاق والقوانين ذات العلاقة، أو غير مكتسب لمهارات المشاركة المدنية في نشاطات المواطنة، أو غير مؤمن بالمعارضة السلمية.

 

إن المدارس والجامعات في بلدنا بحاجة ماسة إلى قادة تربويين يفهمون، ويقدرون، ويحترمون، ويعلمون، ويتمسكون بما ذكرنا.

 

لا يجوز للقائد التربوي ولا يحق له الانحياز لتيار أو لحزب معين، سواء بالكلام، أو بالمحاضرة، او بالزي، أو بالإيحاء بتسريحة الشعر، أو باللحية السياسية. يشكل القيام بذلك خيانة للأمانة، واعتداء على حق وحرية التلاميذ والتلميذات في المدرسة، والطلبة في الجامعة في الاختيار.

 

لا يعني ذلك أنه يجب استبعاد تعلّم ومناقشة القضايا العامة والساخنة المحلية، والإقليمية، والعالمية، وإنما يعني ترك مساحة من الحرية لهم ليفكروا نقدياً ويختاروا ويقرروا. إنه التزام على جميع العاملين في التربية والتعليم، بما في ذلك نقابتهم وهيئاتهم، فهي نقابات وهيئات مهنية لا سياسية.

 

(الغد الأردنية)