موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر Sunday, 7 June 2020

قداسة الحياة الإنسانية

الأب رفيق جريش

الأب رفيق جريش

الأب رفيق جريش :

 

نشاهد على التلفاز المظاهرات العنيفة التي تهز أركان الولايات المتحدة الأمريكية على إثر وفاة شاب أمريكي من أصول إفريقية يدعى جورج فلويد، بعد أن طرحه شرطي أبيض البشرة على الأرض واضعًا ركبته على رقبته، مما دعا الرجل يقول له «لا أستطيع أن أتنفس»، وبعد ثماني دقائق مات الرجل، واندلعت المظاهرات منددة بالطرق الوحشية للشرطة الأمريكية، خاصة أن هذا هو أسلوب التعامل من الشرطة تجاه الأمريكيين من أصول إفريقية، وهذا ليس غريبًا على المجتمع الأمريكي.

 

رغم أن الرئيس السابق باراك أوباما من أصول إفريقية إلا أن التعامل الخشن مع الأمريكان من أصول إفريقية باتت هي الممارسة اليومية، وعلى ذلك انقسم المجتمع الأمريكي بل زاد انقسامًا تارة الجمهوريون اليمينيون بفصائلهم المختلفة، أو الديمقراطيون الأكثر اشتراكية (على الطريقة الأمريكية) بفصائلهم المختلفة، كما دخل على الخط جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات ضد التمييز وكثيرون من أبناء الشعب الأمريكي الذى نزل بالآلاف في شوارع غير مبالين بفيروس كورونا وتعليمات التباعد الاجتماعي إلى آخره. وأخذت المساجد والكنائس دورها خاصة التي أعضاؤها من الأقلية الأمرو-إفريقية منددة هي الأخرى بالظلم تجاه بني جنسهم. مما دعا الرئيس الأمريكي المؤجج لروح التمييز العنصري أن يرفع الإنجيل أمام «كنيسة الرؤساء» التي هي على مقربة من البيت الابيض مهددًا باستعمال مزيد من القوى وإنزال الجيش، مما أوحى للبعض خطأ في العالم العربي أن الربيع الأمريكي قادم على غرار الربيع العربي.

 

بعض الحكماء الأمريكان يقولون إن الولايات المتحدة تواجه «عنصرية ممنهجة» فهي ليست وليدة اللحظة وأن الجو العام من مظاهرات عنيفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية والتنديد من خارجها خاصة من البلاد الغربية كثيرة لهذا العمل المشين، وطغى على قلوب وعقول الأمريكان مشاعر كثيرة متراكمة في التاريخ الأمريكي ترجمت عن حق بمشاعر الحزن والغضب لفقدان أرواح بسبب العنصرية، فيرون أن وفاة شخص أسود في قبضة الشرطة شيء لا يصدق وسوء احترام للكرامة الإنسانية.

 

بعض المواطنين الأمريكان يتساءلون في ضمائرهم «ماذا أستطيع أن أفعل؟» لأن العنصرية والتفرقة بين الأبيض والأسود ولدت مع ميلاد العالم الجديد المسمى أمريكا (300 سنة) وهذا إرث منذ الآباء المؤسسين إلى الآن. فالعنصرية البغيضة لها جذورها في التاريخ الأمريكي، ويقول الحكماء الأمريكان إنه في الوقت الحالى ليس هناك قدرة أو إرادة لمواجهة موضوع العنصرية.

 

كثيرون من الحكام ورجال السياسة أدانوا سياسة ترامب، ففي تعليق مباشر قال البابا فرنسيس بابا الفاتيكان «لا أحد يستطيع أن يدافع عن قداسة الحياة الإنسانية ويدير عينه عن العنصرية والتهميش» وهذا رد مباشر على الرئيس ترامب الذى يتفاخر بأنه من المناصرين للحق في الحياة وضد الإجهاض، وفي الوقت ذاته خطابه العنصري والعنيف يؤجج مشاعر الانقسام والكراهية بينما دعا البابا الولايات المتحدة لمصالحة وطنية».

 

مارتن لوثر كينج كان زعيمًا أمريكيًا من أصول إفريقية وناشطًا سياسيًا إنسانيًا وحصل على جائزة نوبل للسلام ومن المطالبين بإنهاء التمييز العنصرى ضد السود عام 1964، وكان أصغر من يحوز عليها. اغتيل في الرابع من نيسان إبريل عام 1968، واعتبر مارتن لوثر كينج من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان. أسس لوثر زعامة المسيحية الجنوبية، وهي حركة هدفت إلى الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين في المساواة، وراح ضحية قضيته. رفض كينج العنف بكل أنواعه، وكان بنفسه خير مثال لرفاقه وللكثيرين ممن تورطوا في صراع السود من خلال صبره ولطفه وحكمته وتحفظه حتى أنهم عام 1965 لم يؤيده قادة السود الحربيين وبدأوا يتحدونه. كان لمارتن لوثر كينج مقولة «إن أعمال الشغب هي لغة الذين لا يصغى إليهم أحد».

 

نحن ندين كل أعمال العنف والشغب، قد نتفهم إحباطاتهم، ولا نشمت في أحد، ولكن نشجع كل الذين يشاركون بأسلوب سلمي ويعبرون عن رأيهم الحر، ونتمنى أن يصغي إليهم الناس والسياسيون والحكام ليعملوا على تصحيح الأوضاع لصالح الإنسان مهما كان لونه.