موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٩ مايو / أيار ٢٠٢٠

في عيد العنصرة

بقلم :
آن سامي مطلوب - العراق
"تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ" (مز30:104)

"تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ" (مز30:104)

 

"تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ" (مز30:104)

 

يُذكَر أن القديس بولس لما دخـل مدينة أثينـا (مدينة الفلاسفـة) رأى المدينة منهمكة في عبادة الأصنام، وصادف مذبحاً مكتوباً عليه "للإله المجهول"، ذلك الإله الذي يعبده رجال أثينا وهم يجهلونه هو مَن جاء من أجله القديس بولس ليبشرهم به (أع22:17-23)... ونحن ألا يسعنا أن نبشّر أناس عصرنا بهذا الإله المجهول "الروح القدس" الذي نعبده نحن المسيحيون وفي نفس الوقت نحن نجهله ونجهل مواهبه وأعماله في الكنيسة والنفوس!!.

 

هذا الروح الذي قال عنه المخلّص "روح الحق الذي لن يطيق العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه" (يو17:14)... هو روح الحق ولذا يتجاهله العالم العائش في الكذب والنفاق... هو روح القداسة ولذا يتناساه العالم الداعي إلى الفساد والخلاعة... هو روح اللـه ولذا يرفضه العالم بإتّباعه روح الشيطان... فهو إلهٌ مجهول عند العالم وأيضاً عندنا نحن المسيحيين الذين نعيش بروح العالم لا بروح اللـه... هو إلهٌ مجهول عندنا قلّما نفتكر فيه في أعمالنا وتصرفاتنا وسلوكنا لئلاّ يسيّرنا هذا الروح الإلهي في طريق الخير ونحن لا نريد السير إلا في طريق الشر... يا للأسف!!!.

 

مَن هو الروح القدس؟... الروح القدس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس... هو إلهٌ مساوٍ للآب والابن بالطبيعة والجوهر... هو الذي نذكره في قانون الإيمان "ونؤمن بالروح القدس، الرب المُحيي، المنبثق من الآب والابن"... هو الذي قال عنه موسى "وكانت الأرض خاويةً خالية، وروح اللـه يرفّ على وجه المياه" (تك2:1)... هو الروح الخالق، روح المحبة، صانع القداسة والأعمال الباهرة والعجائب في كنيسة اللـه... هو الروح الإلهي الذي حلّ على الرسل يوم عيد العَنصرة فخلقهم خلقاً جديداً وبدّلهم، وبهم بدّل العالم وجدّد وجه المسكونة.

 

فمواهب الروح القدس تعرّفنا مَن هو اللـه وما هي محبته المكنونة بالأسرار... تعرّفنا بالعناية الإلهية التي تدبّر جميع حوادث هذه الحياة وبطلان المخلوقات التي نتمسّك بها، فبدون هذه المواهب لا يرى العقل شيئاً في اللـه الخفيّ عن أعيننا أو في أسراره وديانته وعنايته... بدونها نُجبَر على الصلاة جبراً فنعتبر كأنّ الكنيسة سجنٌ لنا، وكأنّ النشاطات الدينية ثقلٌ علينا، ولكن بها نشعر بدافع باطني يدفعنا إلى الصلاة وبلذّة مخاطبة اللـه كما كان يشعر القديسون بقضاء ساعات طويلة بل ليالي برمّتها وهم يناجون اللـه... بدونها نظنّ أن سعادتنا متوقفة على المخلوقات والخيرات الأرضية فنحبها ونتعلّق بها، ولكن بها يُرينا الروح القدس جميع المخلوقات على حقيقتها، فيجرّدها من سحرها الخدّاع ويوضّح لنا كم هي سريعة العطب وباطلة وزائلة وغير قادرة على إسعادنا... فلا عجب إذا كان قلبنا أعمى لا يعرف مَن هو الإله الأزلي غير المحدود، الإله الرحيم القوي القدوس.

 

قلبنا المسكين أعمى لا يعرف مَن هو هذا البهاء، الصلاح، الجودة، الكمال بالذات، هو غايتنا، فيه غِنانا وحياتنا ولذّتنا ونعيمنا وسعادتنا، فكل شيء في العالم جميل ما عداكَ يا الله، أيها الجمال الحقيقي... كل شيء في العالم معروف ومحبوب ومعبود ما عداكَ أنتَ وحدك المستحق كل الحب.

 

إن القلب يتمزق حزناً وألماً عندما يرى إلى أية هاوية سحيقة من الكفر والإلحاد وصل الإنسان في عصرنا، فلا عجب إذا سمعنا الرب يتشكّى على لسان إرميا "إن شعبي صنع شرَّين: تركوني أنا ينبوع ماء الحياة واحتفروا لهم آباراً مشقَّقة لا ماء فيها، فلا تروي الغليل ولا تُشبع القلب ولا تسدّ الفراغ" (إر12:2-13)... فلنرفع غشاء الجهل عن أعيننا ونرى ما خَفي عنّا، ونهتف مع القديس لويس غونزاغا "خُلقتُ لله ولا أريد غير اللـه بديلاً، خُلقتُ لأشياء أعظم".

 

أيها الروح القدس، أرسل إلينا من السماء ــ نحن المسيحيين الذين نجهلكَ بِعَمانا وطيشنا ــ شعاع نوركَ. واملأ قلوبنا من أشعتكَ. لأنه بدون نعمتكَ لا شيء فينا طاهر. أعطِنا نحن مؤمنيكَ المتّكلين عليكَ المواهب السبع. واجعلنا نهتف إليكَ مع القديس أغسطينوس قائلين "عرّفني يا اللـه مَن أنتَ ومَن أنا. عرّفني مَن أنتَ بعظمتكَ ومَن أنا بدناءتي. مَن أنتَ بقداستكَ فأحبكَ ومَن أنا بشقائي فأبغض ذاتي. علّمني يا اللـه مَن أنتَ ومَن أنا".

 

نسألكَ أيها الروح القدس أن تملأنا من جميع مواهبكَ السبع ونحن نعيش جائحة فيروس كورونا في هذا الزمن الصعب والقاسي فنعرف كيف نحوّل ألمنا وحزننا إلى فرح وابتهاج في الله وحده، وأن تكون هذه الفترة محطة تحوّل في حياتنا الإيمانية لنُصبح أكثر قرباً من إلهنا بشفاعة أمّنا القديسة مريم العذراء ومار يوسف البتول... آمين.

 

ر. مهندسين أقدم/ آن سامي مطلوب

أمين سر رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك في المنصور ــ بغداد

ورئيسة جمعية أصدقاء القربان في الرعية