موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٨ يوليو / تموز ٢٠٢٠

عيد هامتي الرسل بطرس وبولس

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
فبشفاعات هامتي رسلك القديسين بطرس وبولس، أيها المسيح إلهنا، ارحمنا وخلّصنا

فبشفاعات هامتي رسلك القديسين بطرس وبولس، أيها المسيح إلهنا، ارحمنا وخلّصنا

 

الرسالة

 

إلى كلّ الأرض خرج صوتهما. السماوات تذيع مجد الله.

 

فصلٌ من رسالة القدّيس بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس  

(كورنثوس الثانية 11 : 21 – 12 :9)

 

يا إخوة، مهما يجترئ فيه أحدٌ (أقول كجاهل) فأنا أيضًا أجترئ فيه. أعبرانيُّون هم فأنا كذلك. أإسرائيليون هم فأنا كذلك. أذريَّة إبراهيم هم فأنا كذلك.  أخدَّام المسيح هم (أقول كمختل العقل) فأنا أفضل. أنا في الاتعاب أكثر وفي الجلد فوق القياس وفي السجون أكثر وفي الموت مرارًا. نالني من اليهود خمس مرَّاتٍ أربعون جلدةً إلاَّ واحدةً. وضربت بالعصيّ ثلاث مرَاتٍ. ورجمت مرَّةً وانكسرت بي السفينة ثلاث مرَّاتٍ. وقضيت ليلاً ونهاراً في العمق. وكنت في الأسفار مرَّاتٍ كثيرةً، وفي أخطار السيول وفي أخطار اللصوص، وفي أخطار من جنسي واخطار من الأمم، وأخطارٍ في المدينة وأخطار في البرية وأخطار في البحر، وأخطار بين الإخوة الكذبة. وفي التعب والكد والأسهار الكثيرة والجوع والعطش والأصوام الكثيرة والبرد والعري. وما عدا هذه التي هي من خارج ما يتفاقم عليَّ كلَّ يومٍ من تدبير الأمور ومن الاهتمام بجميع الكنائس. فمن يضعف ولا أضعف أنا أو من يشكَّك ولا أحترق أنا. إن كان لا بدَّ من الافتخار فإنَّي أفتخر بما يخصّ ضعفي. وقد علم الله أبو ربنا يسوع المسيح المبارك إلى الأبد أني لا أكذب. كان بدمشق الحاكم تحت إمرة الملك الحارث يحرس مدينة الدمشقيين ليقبض عليَّ. فدلّيت من كوَّةٍ في زنبيلٍ من السور ونجوت من يديه 1:12 إنَّه لا يوافقني أن أفتخر فآتي إلى رؤى الربّ وإعلاناته. إني أعرف إنسانًا في المسيح منذ أربع عشرة سنةً (أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم. الله يعلم) اختطف إلى السماء الثالثة. وأعرف أنَّ هذا الإنسان (أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم. الله يعلم). اختطف إلى الفردوس وسمع كلماتٍ سرَّيَّةً لا يحلُّ لإنسانٍ أن ينطق بها. فمن جهة هذا أفتخر. وأمَّا من جهة نفسي فلا أفتخر إلاَّ بأوهاني. فإنّي لو أردت الافتخار لم أكن جاهلاً لأنّي أقول الحقَّ. لكني أتحاشى لئلاَّ يظنَّ بي أحدٌ فوق ما يراني عليه أو يسمعه مني. ولئلاَّ أستكبر بفرط الإعلانات أُعطيت شوكةً في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلاَّ أستكبر. ولهذا طلبت إلى الرب ثلاث مرَّاتٍ أن تفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأنّ قوَّتي في الضعف تكمل. فبكل سرورٍ أفتخر بالحري بأهاوني، لتستقرّ فيَّ قوَّة المسيح.

 

الإنجيل المقدّس

 

فصلٌ شريفٌ من بشارة القديس متى (16: 13-16)

في ذلك الزمان، لمَّا جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبُّس. سأل تلاميذه قائلاً، من يقول الناس إني أنا ابن البشر. فقالوا قومٌ يقولون إنَّك يوحنا المعمدان، وآخرون إنَّك إيليَّا، وآخرون إنَّك ارمياء أو واحدٌ من ألآنبياء. قال لهم يسوع وأنتم من تقولون إنّي هو. أجاب سمعان بطرس قائلاً، أنت المسيح ابن الله الحيّ. فأجاب يسوع وقال له، طوبى لك يا سمعان بن يونا. فإنَّه ليس لحمٌ ولا دمٌ كشف لك هذا. لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فكلُّ ما ربطته على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكلُّ ما حللته على الأرض يكون محلولاً في السماوات.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الأله الواحد أمين

 

جاء المسيح وتلاميذه إلى نواحي قيصرية فيلبس شمالاً، وهناك وجَّه لهم السؤال: "من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟". وكعادته لم يكن سؤاله للاستفهام، بل لخير الذين يطلب منهم الجواب. طلب منهم أن يخبروه برأي الناس فيه كابن الإنسان فقط، لأن العامة لا يرون إلا ناسوته. فأجابوه أن الناس في حيرة من جهته. يعتبرونه نبياً عظيماً، لكن لا يتصورونه نبياً جديداً. يظنون أنه إيليا أو إرميا أو المعمدان أو نبي آخر قديم قد ظهر ظهوراً جديداً. والظاهر أن ليس أحد يقول إنه المسيح المنتظر.

 

هل هذه هي النتيجة بعد خدمته ثلاث سنين؟ هل ذهبت أتعابه أدراج الرياح؟ قد أصاب البشير بقوله: "إن النور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه" (يوحنا 1:5). بعد إشباعه الخمسة الآلاف قال عنه الجمع: "إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم". أي النبي الذي ينبغي أن يظهر قبل مجيء المسيح ليعلن مجيئه.

 

كان سؤال المسيح عن رأي الناس فيه مقدمة للسؤال الأهم، عن رأي تلاميذه الذين ثبتوا بعد ارتداد الأكثرين عنه. وبعد سنوات أتت الساعة ليفحصهم فيعرف أفكارهم في شخصية المعلِّم وليس فقط في تعليمه. لذلك سألهم: "وأنتم من تقولون إني أنا؟"، دون حصر سؤاله كالمرة الأولى في كونه ابن الإنسان.

 

لا ريب أنهم كانوا قد تحدثوا في ما مضى وتحاوروا في الأمر الذي سألهم عنه الآن، وتمسكوا طوال حياتهم بالآمال المتعلقة بمجيء المسيح، فيكون تركها تماماً من أصعب الأمور. ولكن المسيح أراد أن يمحو هذه الفكرة منهم، وأن يقطعها نهائياً. ليت الجميع يدركون ضرورية "القطع والبتّ"، دون تردد أو إمهال في تقرير المعتقَد الديني، ومباشرة السلوك بموجبه.

 

وكم كان ابتهاج المسيح عظيماً لما أخذ من تلاميذه بفم بطرس، ذلك الجواب المستوفي الصريح: "أنت المسيح ابن الله الحي". كان السؤال الأول للمسيح: ما القول فيه كابن الإنسان. فجاءه في الجواب الثاني "أنت ابن الله". فما أعظم سر التقوى الذي أشار الرسول بولس إليه وهو أن الله ظهر في الجسد (1 تيموثاوس 3:16) أي أن القولين في المسيح إنه ابن الإنسان وإنه ابن الله الحي صادقان، على رغم ما بظاهرهما من التناقص. أخذ المسيح لنفسه لقب الاتضاع، واعترف بطرس له بلقب الارتفاع. لم يبتهج المسيح لهذا الجواب، لأن الشياطين سبقت إلى مثل هذا الاعتراف مراراً، وكذلك يوحنا المعمدان ونثنائيل. وبطرس ذاته أجاب قبلاً بهذه الألفاظ. لكن المسيح ابتهج لروح بطرس وزملائه، وللإيمان الثابت بعد تمحيص الحوادث السابقة. فطوَّب المسيح بطرس حالاً شخصياً تطويباً لم نقرأ أنه أسبغه على غيره إذ قال: "طوبى لك يا سمعان بن يونا".

 

ليس في هذا التطويب مديح لبطرس، بل تهنئة. وقد ظهر هذا في قول المسيح لبطرس: "إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات" فليس شيء مما قاله أو فعله بطرس مجلبة لهذا التطويب، بل ما ناله من كلام الإله الذي أعلن له بإلهام روحي تلك النبوة الفريدة. ونحن نعلم أن نور الخلاص  مثل هذا الإعلان لبطرس. لا يمكن أن يأتي من البشر، فالبشر يهيئون السراج والزيت، لكن النور من عمل الإله. وقد قال الرسول بولس: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَسُوعُ رَبٌّ" إِلَّا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1 كورنثوس 12:3).

 

أعطيك مفاتيح الملكوت

 

ثم كرر المسيح لبطرس ذِكْر الإسم الذي دعاه به بياناً لثباته (بطرس معناه: صخرة) وكأن المسيح يقول لرسوله المقدام: "أنت يا بطرس قد برهنت ثباتك الصخري في هذه الأحوال الصعبة لما كررت بيان حقيقة كوني في شخصي الواحد: المسيح البشري وابن الله الحيّ. وأنا أصرح لك أني سأبني كنيستي على صخرة هذه الحقيقة الجوهرية التي نطقت بها الآن، بعد أن أُعلنت لك من أبي الذي في السماوات. وكل مقاومات العالم، وقوات الجحيم إلى آخر الأيام لا يمكن أن تتغلب على الكنيسة المؤسسة على هذه الحقيقة. أصرّح لك وللذين نُبت عنهم في الجواب، بأني قد عينتكم لتنوبوا عني وتكملوا عملي بعد صعودي إلى السماء. أعطيكم مفاتيح ملكوت السماوات، لتفتحوا باب الخلاص بتبشيركم في كل الأصقاع، وتدخلوا إلى كنيستي الذين ترونهم من أهل الخلاص، لأنهم أتّموا شروط الخلاص. أخوّلكم سلطاناً لتصرِّحوا بالهلاك الأبدي للذين يرفضون شروط الخلاص، ويتأخرون عن التوبة والإيمان والصلاح. تحلون وتربطون هذه أيضاً بواسطة كتابكم الإنجيل والذي يقودكم هو إلهام الروح الإلهي. فكل ما تضعونه في هذا الكتاب يكون مصدَّقاً في السماء، وكل ما تتركونه يكون متروكاً في السماء. وأجعلكم أهلاً له بسكب الروح القدس عليكم سكباً عجيباً، تحقق لكم ولجميع الناس، أنكم نوابي المفوّضين. وسأمنحكم ختماً لكل ذلك: قوة لفعل المعجزات العظيمة. أسلّمكم هذا العمل  لأني أسندكم فيه فتقومون به.

 

ماذا نتعلم من هذا النص الإنجيلي: المقيمون في الحقّ يشهدون للحقّ، لما يعلمون. فقط مَن يقيم روح الربّ فيهم بالتوبة يكون لهم فكر المسيح. لذلك وحده الأب الروحي، ولا أحد سواه بين الناس، يحكم في كل شيء ولا يُحكَم فيه من أحد. مَن كانوا في سدّة الرعاية يُفترض بهم أن يكونوا قد صاروا روحانيّين، أن يكونوا قد اقتنوا فكر المسيح، أن يكونوا معلّمين للشعب بالروح والحقّ، نماذج تحتذى.

 

سيرة حياة القديسين بطرس وبولس

 

تعيد كنيستنا الجامعة المقدسة الرسولية الأحد 12 تموز 2020 (29 حزيران شرقي) لتذكار هامتي الرسل القدّيسين بطرس وبولس:

 

1. القديس بطرس

 

كان بطرس المطوّب ابن يونا وأخا أندراوس المدعوّ الأول. وقد نشأ في بيت صيدا من أعمال الجليل. وكان في أول أمره صياد سمك فقيراً من أبناء العامة، وكان اسمه سمعان. ثم سمّاه يسوع بطرس عندما نظر إليه وقال له "أنت سمعان بن يونا أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس". ورفعه إلى رتبة الرسالة، فصار له تلميذاً غيوراً لا يفارقه. ولحق به منذ بدء الكرازة الخلاصية إلى وقت آلامه، ودخل معه إلى دار قيافا رئيس الكهنة. وهناك أنكره ثلاث مرات، لخوفه من اليهود، وحذراً من بطشهم. على أنّه ببكائه المرّ ودموعه الغزيرة عقب ذلك، نال صفحاً كاملاً عن زلّّته. وبعد قيامة سيدنا يسوع المسيح وحلول الروح القدس، كرز بالبشارة في اليهودية وأنطاكية وبعض أماكن أخرى من آسيا حتى بلغ به المطاف أخيراً إلى رومية، وفيها صلبه الامبراطور نيرون منكّساً رأسه إلى الأسفل ورجليه إلى الأعلى سنة 66 أو 68. فارتفع إلى الأخدار السماوية، وقد خلّف لكنيسة المسيح رسالتين من الرسائل الجامعة.

 

2. القديس بولس

 

أمّا بولس الإلهي، إناء المسيح المختار، ومجد الكنيسة، ورسول الأمم، ومعلّم الدنيا بأسرها، فقد كان من سبط بنيامين من مدينة طرسوس في ولاية كيليكية التابعة للدولة الرومانية، وحصل بذلك على الرعوية الرومانية. وكان اسمه العبراني شاول واسمه الروماني بولس. ولمّا كان والداه من فرقة الفرّيسيين، فقد لقّناه منذ صغره حفظ طقوس ملّته وتقاليدها. ثم أرسلاه بعد ذلك إلى أورشليم ليدرس المعارف الإسرائيلية على غمالائيل الذي كان يعدّ حينئذٍ من أشهر معلّمي الناموس عند اليهود ولذلك لقِّب معلّم الناموس.

 

وكان بولس نبيهاً فطناً ذكياً جداً كثير الاجتهاد، فانصبّ على درس الطقوس والتقاليد اليهودية، فنجح نجاحاً عظيماً، وبات هو الآخر معلّماً للناموس، وقد أتقن اللغة اليونانية وفلسفتها أيضاً مذ كان صغيراً.

 

ولمّا كان يهودياً فرّيسياً من سبط بنيامين، حاصلاً على الرعوية الرومانية، مولوداً في مدينة طرسوس، عارفاً باللغة العبرانية واللغة اليونانية، متضلّعاً بالمعارف اليهودية، خبيراً بها كلّ الخبرة، فقد بات جديراً أكثر من سائر الرسل بالتغلغل بين اليهود واليونان والرومان والبرابرة وتبشيرهم. ورغماً عن كلّ ما كان عليه من المعارف والعلوم، فقد تعلّم صناعة نسج الخيام، لأن العادة كانت جارية عند اليهود أن يعلّم كلّ رجل أولاده إحدى الصناعات لكي يستطيعوا أن يحصّلوا معيشتهم إذا اضطرّهم الزمان إلى ذلك في المستقبل. ولعلّه كان له من العمر 20 أو 22 سنة حين شرع سيدنا يسوع المسيح في اظهار ذاته للناس.

 

ولمّا كان شاول، كما تقدم، على جانب عظيم من العلم والفطنة، مشهوراً بالغيرة والشجاعة، فقد انتخبه اليهود الذين كانوا يضطهدون المسيحيين زعيماً لهم، وكان أحد الذين شهدوا رجم القديس استفانوس بهياج وعنف وجنون. وبعد استشهاد استفانوس هرب عدد غير قليل من المسيحيين إلى دمشق، فلحق بهم شاول، وبيده أوامر من رؤساء الكهنة تخوّله جرّهم رجالاً ونساءً إلى أورشليم، وكان ذلك نحو سنة 35 ب.م.

 

 ففي اثناء سيره إلى هذه المدينة الجميلة وقد قرب منها، فاجأته تلك الحادثة العجيبة التي قلبت حياته رأساً على عقب. فقد ابرق حوله بغتةً من السماء نورٌ ساطعٌ أشدّ لمعاناً من نور الشمس، وظهر له سيدنا يسوع المسيح في وسط ذلك النور، وكلّمه قائلاً له: "شاول، شاول لماذ تضطهدني؟"، فلمّا قال "من أنت يا سيّد؟" قال له يسوع. "أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده. إنه لصعبٌ عليك أن ترفس المهاز". فانجلت لبولس عندئذٍ حقيقة أمره وعظم إثمه، وآمن بابن الله، ودخل دمشق. لكنه دخلها أعمى لأن ذلك الصوت السماوي أذهله وذلك النور البهي أعماه. لقد دخل دمشق أعمى البصر حسن البصيرة. وتغيرت مقاصده عمّا كانت عليه واعتمد على يد القديس حنانيا الرسول الذي كان في دمشق، وانفتحت حينئذٍ عيناه الجسديتان، وانفتحت معهما عيناه الروحيتان، وأعلن له ما يجب عمله. فما لبث أن شرع في التبشير باسم المسيح في مجامع اليهود معلناً إن يسوع المسيح هو ابن الله خلافاً لآمال اليهود الذين اذهلهم منه هذا الانقلاب العظيم. وانطلق بعد قليل إلى بلاد العرب سعياً وراء التأمّلات الروحية. فلمّا رجع من هناك أظهر اندفاعاً عظيماً جدّاً في نشر بشرى الخلاص إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه الرغبة.

 

 أما اتعابه التي لا يحصرها نطاق، وضيقاته وجراحاته وسجنه وقيوده وجلده ورجمه وغرقه وأسفاره في الليل والنهار، والأهوال والأخطار التي تعرّض لها في البرّ وفي البحر وفي المدن وفي القفار، وسهره الذي لا ينقطع، وصومه في كلّ يوم، وجوعه وعطشه وعريه وكلّ ما قاساه من أجل اسم المسيح، الذي حمل لواءه أمام الشعوب والملوك وبني إسرائيل، وبخاصةٍ اهتمامه بالكنائس كلّها، وحنينه العظيم وشوقه الشديد إلى خلاص الناس بأسرهم، ومن أجل ذلك صار للكلّ كل شيء ليخلّص الكل لو أمكن. كلّ هذا حدّث عنه ولا حرج. فقد كان يطوف المدن المرّة تلو المرّة لافتقاد الجميع، متأجّجاً قلبُه بنار الحميّة المتوقدة. فكان أشبه شيء بطير سماوي يتنقّل بين اسيا واوروبا، بين الشرق والغرب، لا يستقرّ في مكان، كما يخبرنا عنه سفر أعمال الرسل، وكما يخبرنا هو نفسه في رسائله.

 

أما رسائله الأربع عشرة، التي فسّرها لنا القديس يوحنا الذهبي الفم في 250 مقالة، فإنّها دليل باهر على معانيه السامية، واعلاناته الرائعة، وحكمته العظيمة، التي وهبها له الله. إذ وفّق بها بين العهد القديم والعهد الجديد توفيقاً عجيباً. وفسّر أسرار هذا العهد الأخير المورَّى عنها برسوم ذلك العهد الأول. وثبّت عقائد الإيمان ووطّدها وبسط التعاليم الإنجيلية الأدبية وأوضح أيضاحاً مدققاً الحقوق المتوجّبة على كلّ رتبة من الناس حسب تباين أعمارهم وأموالهم. وكذلك جعل من فمه بوقاً روحياً أذاع به كلام الحق واضحاً مثل نور الشمس وأنار أقطار الأرض من أقصاها إلى أقاصيها.

 

وأخيراً وبعد أن أتمَّ خدمته مات هو الآخر مستشهداً في مدينة رومية التي جيء به إليها من إسبانيا حيث كان أخيراً، وذلك على عهد الملك نيرون الذي أمر بقطع رأسه. وتقول التقاليد القديمة إنّه "أُخرج إلى خارج المدينة فقطع رأسه هناك على مشهد جمهور غفير من الناس". ويقال إن ذلك جرى في نفس السنة التي استشهد فيها بطرس الرسول مصلوباً.

 

على هذا المنوال أنهى بولس العظيم حياته بعد أن طاف البرّ والبحر بلا مال ولا امرأة ولا بنين ووقف قبالة العالم المعادي له متجنّداً لخدمة المسيح. وكان بولس وما يزال وسيبقى حتى آخر الأزمان، ركناً وطيداً من أركان الإيمان، يقود الخطى إلى مراعي الخلاص في أقطار العالمين.

 

فبشفاعات هامتي رسلك القديسين بطرس وبولس، أيها المسيح إلهنا، ارحمنا وخلّصنا آمين

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الرابع

إنّ تلميذاتِ الربّ تَعلَّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.

 

طروبارية هامتي الرسل باللحن الرابع

أيها المتقدمان في كراسي الرسل ومعلمي المسكونة. تشفعا إلى سيد الكل ان يمنح المسكونة السلام ونفوسنا عظيم الرحمة.

 

القنداق باللَّحن الثاني

يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تَعرْضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائمًا بمكرِّميك.