موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ مايو / أيار ٢٠٢٠

عيد الاستقلال وسام على صدورنا

الدكتورة مارسيل جوينات

الدكتورة مارسيل جوينات

د. مارسيل جوينات :

 

في الذكرى الرابعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، نرسم وسامه، بكل فخر واعتزاز ونستذكر شهداءنا وأبطالنا الذين سقوا تراب الوطن بدمائهم. وكما نحيي جنود الوطن الساهرين لحمايته.

 

 وها نحن على مقربة من المئوية الأولى للدولة الأردنية والتي مرت بعدة مراحل سياسية، أثرت وساهمت في نهجها السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

 فالمرحلة الأولى 1921-1928 والتي بدأت فيها الحياة السياسية مع قيام إمارة شرق الأردن بوجود الاستعمار البريطاني. كانت المؤثرات الداخلية كالأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية وانعدام الأمن والاستقرار، والنزاعات القبلية دافعاً لإنشاء الإمارة. عندها أخذ الأمير عبد الله أولى خطواته بتشكيل حكومة إمارة شرق الأردن برئاسة رشيد طليع. لكن الواجهات العشائرية والتكتلات الاجتماعية، والمثقفين أخذوا موقفا مغايراً. وحدث العديد من النزاعات، والاحتجاجات بسبب أن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الاجتماعية، والعشائرية. وتم تشكيل حكومة مركزية في عمان، وكان هناك بعض الأطراف أُخذ منحنى الجذب والشد، إذ واجهت الحكومة بالعصيان في الكورة التابعة لمتصرفية إربد، وعالجت الحكومة العصيان بالتهدئة، وأصدر الأمير عبد الله عفوا عاما عن الذين اشتركوا فيه. وكان هذا أول اختبار للنظام السياسي، وقدرته على التحمل، والوقوف والتماسك ليحل الاستقرار. وفي عام 1928 تم توقيع اتفاقية بين الانتداب البريطاني والإمارة عدت الخطوة الرئيسة للوصول إلى الاستقلال (الحراحشة، 2006، ص. 40-47).

 

في هذه الفترة تأسس العديد من الأحزاب، ومنها: حزب الاستقلال الذي أنشئ أولا في سوريا، ثم نُقل إلى عمان، وكانت الأحزاب تدعو:» إلى الوحدة العربية للبلاد العربية، التي تم تحريرها، ومنها حزب الشعب الذي نصّ نظامه على تأييد استقلال البلاد، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، ونشر التعليم، والمحافظة على الحرية الشخصية، والمساواة، وحرية الأديان والمذاهب، والمحافظة على الإخاء بين السكان، ويعد هذا الحزب ممثلا لشعب بتطلعاته لبناء دولة أردنية حديثة مستندة إلى دستور قوي (العمايرة، 2006، ص. 124).

 

وعام 1928 عقد أول مؤتمر في تاريخ الأردن تحت اسم المؤتمر الوطني الأول، وأهم إنجازاته العمل على صياغة الميثاق الوطني الأردني الأول، الذي نصّ على أن الإمارة دولة عربية مستقله ذات سيادة برئاسة الأمير عبد الله، ورفض وعد بلفور، ومبدأ الاحتلال (محافظة، نشأة الأحزاب الأردنية وتطورها، ص. 85).

 

والفئات الاجتماعية للمجتمع الأردني تنقسم إلى أربعة اقسام:

 

1. حسب معيار البنية الاجتماعية: الأسرة والنسب والعشيرة.

 

2. حسب التركيب العمري: صغار السن (دون 15 سنة) والشباب (15-64 سنة).

 

3. حسب البيئة السكنية: مدن، ريف، بادية، مخيمات.

 

4. تقسيمات أخرى: إذ ينقسم المجتمع من حيث الحالة الاجتماعية، والتعليمية، ومستوى الدخل، والقوى العاملة، والنوع الاجتماعي (العموش، 2018، ص. 134- 138).

 

والمرحلة الثانية استقلال الأردن 1929-1949. في عام 1929 تمت الانتخابات التشريعية الأولى، وعقد المجلس التشريعي الأول في 2 نيسان 1929، ووافق على معاهدة 1928 ثم حله الأمير عبد الله في شباط عام 1931. ومن عام 1931 إلى عام 1947 تم انتخاب أربعة مجالس تشريعية، وخلال الفترة بين 1936 – 1946 كان هناك العديد من حوادث الجذب والشد بين مظاهرات، واضرابات تؤيد الثورة في فلسطين، وكان قد قرر آنذاك قادة الثورة الفلسطينيين في سوريا إبقاء الثورة في شرق الأردن؛ بهدف توسيع نطاق الاحتجاجات، والمظاهرات ضد الإنجليز، فهاجم الثوار بعض المخافر في وادي الأردن؛ جعل الأمير، وحكومته يعارضون ذلك؛ لا نها تضر بالأردن، واستقراره، وحدثت مشاجرات بين أنصار الثورة الفلسطينية، والجيش وقوى البادية الأردنية، وقوى الحدود، وتوقفت هذه المنازعات عند نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939 (الحراحشة،2006، ص. 48).

 

والمرحلة الثالثة ما بعد الاستقلال. ففي عام 1953 تولى المغفور له الملك الحسين بن طلال عرش الأردن (1935-1999) بعد تنازل والده المغفور له الملك طلال (1909-1972) عن العرش بتاريخ 9-أيلول 1952، لتدهور أحواله الصحية. وجرت خلال فترة حكم الحسين التي استمرت ما يقارب سبعة وأربعين عاما العديد من الأحداث، والقضايا المحلية، والإقليمية، والعالمية. فالأردن جزء من الوطن العربي، ولموقعه الجغرافي في القلب منها عانى عبر أكثر من نصف قرن العديد من الحروب، والنزاعات الداخلية، أو الخارجية من الدول المجاورة أو فيها؛ مما أدى إلى عدم اتباع نهج سياسي واحد منذ تاريخ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، كالاستعمار البريطاني، وحرب 1948، وحرب 1956، وحرب 1967، وأيلول الاسود 1970، والحرب الأهلية في لبنان 1975، والحرب العراقية ـــــ الإيرانية 1980، وحرب الخليج الأولى 1991، والاحتلال الامريكي للعراق 2003، ومازال ما يحدث حول الأردن يؤثر فيه، حتى وصلنا إلى ما يسمى الربيع العربي، وكل هذه الأزمات والحروب، والصراعات أثرت على منهجية السياسة الخارجية، والداخلية.

 

هذه الأحداث أثرت على نهج السياسة الأردنية، فاتبعت منهجية فرضت خلالها الأحكام العرفية، وسن القوانين الاستثنائية، والاصلاحات التي تراها بأنها في الصالح العام. وتم إيقاف قانون الأحزاب عام وبقيت الحال هكذا إلى عام 1989م (الدعجة، 1997، ص. 185).

 

تم تأسيس المجلس الوطني الاستشاري الأردني عندما تم تجميد الحياة البرلمانية الأردنية بسبب حرب 1967، واحتلال الضفة الغربية، وبعض الأوضاع العربية والدولية التي كانت تمر بها الدول العربية والدولية والمجلس الاستشاري يعين بإدارة ملكية بتنسيب رئيس الوزراء، ويتكون عند تأسيسه بموجب قانون المجلس الوطني الاستشاري المؤقت رقم 17 لسنة 1978، من(60) عضوا، ثم زاد إلى (75) عضوا بموجب القانون المعدل رقم (25) لسنة 1982، ويعين الأعضاء بإدارة ملكية، بتنسيب من رئيس الوزراء (مجلس النواب الاردني، 2017- 5-9 الساعه العاشرة مساءً، http://www.parliament.jo/node3).

 

في نيسان من عام 1989 اندلعت (هبة نيسان) المعروفة التي انطلقت من معان جنوبي الأردن؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، مما مهد للعودة إلى الحياة البرلمانية حسب قانون الانتخاب رقم (22) لعام 1986 الذي أتاح للمرأة الأردنية المشاركة في الانتخاب، والترشح بعد ما كانت قد منحت هذا الحق بتاريخ 4 نيسان 1973، وبتاريخ 8-11-1989تم انتخاب مجلس النواب الحادي عشر بعد توقف دام أكثر من عقدين؛ بسبب الأوضاع السياسية الداخلية، والإقليمية. كان عدد المقاعد 80 مقعدا وكان على أساس الانتخاب على القائمة. وعدل هذا القانون بقانون الصوت الواحد، ثم أجريت انتخابات للمجلس الثاني عشر بتاريخ 8 تشرين الثاني 1993 إذ فازت امرأة اردنية بمقعد للمرة الأولى وهي توجان فيصل.

 

في عام 1997-2001 انتخب مجلس النواب الثالث عشر، بمقاطعة من جبهة العمل الاسلامي، والعديد من الأحزاب، ودعم من النقابات المهنية بسبب الاحتجاج على قانون الصوت الواحد. غير أن المجلس لم يكمل مدته القانونية، فتم حله بإرادة ملكية بسبب الأوضاع الإقليمية، وعدم الاستقرار السياسي في العراق وفي فلسطين، وتأثيرها على الأردن لذا انقطعت الحياة السياسية لمدة سنتين (مشاقبة والخلايلة، 2016، ص. 124-126).

 

والمرحلة الرابعة تولي الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية بتاريخ 7 شباط 1999 كان مجلس النواب الثالث عشر مازال قائما، وأقسم اليمين الدستورية أمام مجلس الامة. وفي هذه المرحلة شهد الأردن، ومازال يشهد العديد من التغيرات، والإجراءات التي تعمل على الإصلاح السياسي، ويذكر في هذه المرحلة أن القوانين التي يتم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية تهدف إلى الوصول للديمقراطية، والتعددية السياسية، وبما أن قانون الانتخابات أحد هذه المؤشرات الذي ينتخب من خلاله الشعب مَن يمثله، عملت الحكومات على إصدار العديد من التشريعات، والقوانين التي تتناسب مع التطور السياسي، والمجتمعي الذي يمر به الأردن، فتم إصدار قانون الانتخاب المؤقت رقم (34 لسنة 2001) الذي تم على أساسه انتخاب مجلس النواب الرابع عشر، وتمت فيه زيادة مقاعد مجلس النواب من 80 إلى 104 مقاعد، وقسمت المملكة إلى 45 دائرة انتخابية. وقانون الانتخاب لعام (2003) هو قانون معدل للقانون رقم (34) الصادر عام 2001 إذ تمت فيه إضافة المادة (45)، والتي تم العمل فيه «الكوتا النسائية» بستة مقاعد؛ لضمان وصول المرأة الأردنية لمجلس النواب، ومشاركتها بالتنمية السياسية فأصبح عدد المقاعد (110). وفي عام 2007 صدر قانون الأحزاب معدلاً لقانون الأحزاب لعام 1992. وأجريت انتخابات عام 2007 وفقاً لقانون الانتخاب رقم 34 لسنة 2001 (مشاقبة والخلايلة، 2016، ص. 32- 35).

 

وفي عام 2010 صدر قانون الانتخاب لمجلس النواب، وبقي الصوت الواحد هو المعتمد في عملية التصويت، وتمت زيادة عدد مقاعد البرلمان من (110) إلى (120) مقعدا، والمقاعد المخصصة للكوتا النسائية أصبحت 12 مقعدا بدلاً من ستة. وعلى هذا القانون تم انتخاب مجلس النواب السادس عشر لعام 2010.

 

شكلت الحكومة الهيئة المستقلة للانتخابات العامة للإشراف على سير الانتخابات البرلمانية وبمظلة قانونية سمي قانون الهيئة المستقلة للانتخابات تحت رقم 11 لسنة 2012، وصدر القانون بتاريخ 9-4-2011 وبتاريخ 25-7-2012 صدر قانون الانتخاب رقم 25 لسنة 2012، وفي القانون المعدل رقم 28 لسنة 2012 تم تحديد عدد المقاعد النيابية بـ 150 مقعدا، وتم تقسيم الدوائر الانتخابية في المملكة إلى 45 دائرة انتخابية محلية ودائرة واحدة عامة على مستوى المملكة. لذا يكون أصبح الناخب يملك صوتين: صوت للدائرة المحلية، وصوت للدائرة العامة (مشاقبة والخلايلة، 2016، ص. 126).

 

بتاريخ 4 تشرين الثاني 2012 صدرت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب السادس عشر، وإجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب السابع عشر.

 

وجرت الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب السابع عشر حسب قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2012 (موقع مجلس النواب، 2016)، وبإشراف الهيئة المستقلة للانتخابات.

 

المرحلة الخامسة مرحلة البحث (2015-2016) وما قبله الربيع العربي.

 

بعد قيام الثورة في تونس أواخر عام 2010، وامتدادها إلى مصر، وليبيا أطلق عليها مسمى الربيع العربي، ولكن ما ميز الربيع الأردني أنه أـتى على مرحلتين: كانت المرحلة الأولى هبة نيسان عام 1989، وتم احتواؤها في ظل السياسة الأردنية، واستجابة المغفور له الملك حسين بن طلال لمطالب الشعب.

 

بدأت المرحلة الثانية للربيع العربي مع حراك الاحتجاجات الذي بدأ بعد الثورة في تونس، وتزامن مع الثورة في مصر وليبيا، واليمن، وسوريا لكن ما ميز الحراك الأردني أنه كان هادئا على الأغلب علما أنه سجل (14 ألف حراك خلال عامين ونصف العام)، وهذا رقم قياسي. وما يميز هذه المسيرات والاعتصامات أنه لم تتخللها (مظاهر عنف شديدة، وسفك دماء كتلك التي حدثت في دول عربية شقيقة). قال نائب مدير الأمن العام الأردني الفريق محمد الرقاد إن « ربيع الأردن أخذ وجها حضاريا لم يشبه العنف أو الدماء بأي حال». وكانت مطالبات الحراك تركز على مكافحة الفساد، وتعزيز الحياة الديمقراطية، وحرية التعبير، وكان من نتائج هذه الحركات المتتالية إقالة حكومة سمير الرفاعي، وحل البرلمان السادس عشر، وتعديل 42 مادة من الدستور الأردني الصادر عام 1952، وتأسيس محكمة دستورية، وإقرار قانون الانتخابات رقم 25 لسنة 2012، وتم تشكيل ثلاث حكومات خلال عام (الموسى، ص. 84-86).

 

اما مرحلة البحث (2015-2016) التي بدأ التحضير لها من قبل الإدارة الحكومية أي منذ صدور التعديلات الدستورية للدستور الأردني لعام 2011 والعديد من التشريعات القانونية التي تصدر من السلطة التشريعية وبصدور إرادة ملكية ونشرها في الجريدة الرسمية، تحمل في طياتها إصدار قوانين كقانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2015، الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس النواب الثامن عشر، بإشراف الهيئة المستقلة للانتخابات وبإداراتها. وكانت القائمة النسبية المفتوحة هي طريقة الترشح لملء المقاعد النيابية، على أن لا تتجاوز القائمة عدد المرشحين للدائرة، وبلغ تعداد مجلس النواب 130 مقعدا، وخصص مقعد واحد للنساء على الأقل من المقاعد النيابية لكل محافظة، وتمت معاملة البادية الشمالية والوسطى والجنوبية كمحافظة، لذ بلغ عدد المقاعد المخصصة للكوتا النسائية 15 مقعدا. وأخذ القانون بعين الاعتبار المقاعد المخصصة للشركس، والشيشان، والمسيحيين على أن تكون من خلال قائمة في الدوائر التي تم تخصيص مقعد لهم فيها، أو منفرد لكن المرشح المنفرد يعامل معاملة القائمة في احتساب النتائج (مشاقبة والخلايلة، 2016، ص. 133-134).

 

إن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، والنقابية، والحزبية، والمهنية، والرئاسية تعمل على إنشاء حكومات ديمقراطية تمثل توجه المواطنين ومطالبهم فمن خلال الانتخابات، والمشاركة فيها تتم المشاركة بصنع القرارات السياسية، التي تم توكيل المرشحين الذين فازوا بالانتخابات لإيصال مطالب الشعب واحتياجاته ورغباته. وإن المشاركة في الانتخابات هي إحدى قنوات الاتصال بين الحكومة، والرأي العام (بطاينة، ٢٠٠٩، ص٦٨).

 

إن هذه المراحل التي مرت على الدولة الأردنية، وعلى مدى مئة عام تقريباً، مكنت الأردن ان ينفتح على العالم الخارجي، ويكون له دور فاعل وتأثير في العديد من القضايا المحلية والدولية، وأصبحنا نفاخر بقوة وصلابة وطننا، وتمتعنا بالأمن والأمان بالرغم من كل التحديات والصعوبات السياسية والاقتصادية التي نواجهها.

 

كل عام والأردن وشعبه وقيادته بألف خير وسلام.

 

(الدستور)