موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠١٤

خدمة غسل الأرجل

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن

ان السيد المسيح قدم اعمالا عظيمة منذ بداية خدمته، وها هو الان وقد اقترب وقت رحليه منطلقا نحو الاب، يقدم لنا دروسا في الخدمة والبذل والحب الى المنتهى. انه بتواضعه مارس عمل العبيد بغسل اقدام التلاميذ، وهو بذلك يكشف لنا عن بر التواضع وهو القائل ليوحنا المعمدان يليق ان نكمل كل بر. فمن يجسر ويحتل هذا المركز يا غاسل اقدام التلاميذ المتسخة من اتربة الشوارع والازقة، ويا غاسل اقدام البشرية الملوثة بالكبرياء؟ انه سر عظيم وحسن لا يفهمه احد، انه سر حب إلهي يتواضع فيه السيد المسيح ليعلم تلاميذه ونحن من بعدهم درسا في التواضع والتسامح والمحبة. ان غسل الاقدام هو من تخصص السيد المسيح الذي يغسل اعماق النفس ويغفر الخطايا، ومن يقدر بالحب والتواضع ان يغفر لمن يخطئ اليه انما يشترك في احدى سمات المسيح العظمى ويحسب متمتعا بالحياة الجديدة كما يقول العلامة اوريجنيوس. الرب يسوع، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، أحس بذلك الإحساس الذى يجيش فى قلب كل انسان عندما يشعر أن وقت مغادرة هذا العالم قد اقترب ، يحاول أن يعبر بكل وضوح عما يجيش بصدره وقلبه لأحبائه، حين يذكر انجيل يوحنا غسل السيد المسيح لأرجل تلاميذه، فإنه يسبقها بعبارة جميلة ومؤثرة عن حب السيد المسيح اللانهائي لخاصته، إنه وهو الله لم يستنكف أن يقوم عن العشاء ويغسل أرجل تلاميذه فى درس عملي عن المفهوم الحقيقي للعظمة والتواضع في اّن واحد، كيف لا وهو الوديع المتواضع القلب. السيد المسيح أحب خاصته، وأظهر لهم حبه اللانهائي، إن حب السيد المسيح لخاصته لم ينقص فى أى فترة وفى أى ظرف، ولكن الرب اتخذ من هذه المناسبة فرصة لإظهار أقصى حدود محبته فقد أحبهم إلى غاية الحب. لم يكن اتضاع الرب منافيا مع شعوره بعظمته وقدرته وسلطانه، وأن كل هذه الأمور لم تكن عقبة فى إعلان حبه واتضاعه إلى المنتهى، بل زادته اتضاعا وحبا لخاصته. أراد الرب بحبه واتضاعه أن ينزع الكبرياء من نفوس تلاميذه، ومن انفسنا نحن أيضا. كانت بين التلاميذ مشاجرة من منهم يكون الأكبر. فقال لهم يسوع ملوك الأمم يسودونهم، والمتسلطون عليهم يدعون محسنين، وأما أنتم فليس هكذا، بل الكبير فيكم ليكن الأصغر، والمتقدم كالخادم، لأن من هو أكبر الذي يتكيء أم الذى يخدم أليس الذى يتكيء ولكني أنا بينكم كالذي يخدم، فقام عن العشاء ولا شك أن التلاميذ تفرسوا فيه عندما قام عن العشاء ماذا يفعل، وإذ به يخلع ملابسه وربما كان ذلك الثوب المنسوج كله بغير خياطة، وغالبا هذه هى الثياب عينها التى اقتسمها الجنود عند الصليب وأخذ منشفة، وهذه المنشفة هي التي كان يلبسها العبيد والخدم عند قيامهم بخدمة أسيادهم. فيا له من منظر رائع، بهر التلاميذ ويوحنا الذى يصفه لنا بكل دقة ووضوح، وإتزر بها كما يتمنطق العبد الواقف عند خدمة سيده، هل خجل التلاميذ بعدما ألقوا على بعضهم هذا السؤال، من هو العظيم بينهم، لأن الرب يسوع أراد أن يقوم بهذه الخدمة الجليلة لتلاميذه، فقام بها على أكمل وجه وصورة. ثم صب ماء، وأبتدأ يغسل أرجلهم ويمسحها بالمنشفة، كان بامكان يسوع أن يغسل الأرجل ويكلف أحدهم بمسحها أو يعاونه فى هذه الخدمة أو فى بعضها، إلا أنه رضي أن يقوم هو وحده بهذه الخدمة بكل أركانها حتى متى جاء الوقت المبارك على الصليب يقول لله الآب كل ما أمرتنى به عملته، فلا يدعي إنسان ولا يبقى لأي أحد مجال أن يدعي أنه كانت له يد فيما عمل السيد المسيح إن الماء يرمز إلى النقاوة والتطهير، ويرمز إلى الحياة، كما يرمز إلى عمل الروح القدس، أو إلى الروح القدس نفسه. قام السيد المسيح عن المائدة، وخلع رداءه وأتزر بمنشفة، وصب ماء فى مغسلة وإبتدأ يغسل أرجل تلاميذه. إن هذا المنظر لا شك أنه يدهش الأنبياء والملائكة والقديسين فى السماء، إنه يدهش أبونا ابراهيم لأنه حينما رأى قديما ثلاثة رجال فطلب منهم بحب وكرم جزيل إن كنت قد وجدت نعمة فى عينك فلا تتجاوز عبدك ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة (تك 18 : 3). أما اليوم فالرب بنفسه يتكيء على الأرض ويئتزر بالمأزرة ويغسل أرجل تلاميذه، وأدهش لوط الذى استقبل الملاكين فى سدوم وقال ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما ثم تبكران وتذهبان (تك 19 : 2). وعندما جاء إلى بطرس الرسول الذى وجد فى هذا العمل إهانة لمعلمه، ولكن حين قال له السيد المسيح. إن لم أغسل رجليك فليس لك معى نصيب، طلب بطرس أن يغسل السيد المسيح ليس رجليه فقط بل أيضا يديه ورأسه، فرد عليه السيد المسيح إن الذى استحم لا يحتاج إلا إلى أن يغسل قدميه فإنه طاهر كله، أى أن المؤمن الذي اغتسل فى المعمودية صار طاهرا، ولكن بحكم حياته فى العالم فإنه يحتاج فقط إلى التوبة عن الخطايا والشهوات. هذه الخطوات السبع التى خطاها الرب يسوع فى غسل أرجل تلاميذه إنما تحمل بين طياتها وثناياها رمزا ضمنيا إلى الخطوات الخالدة التى اتخذها الفادى فى تنفيذه تدبير الفداء العجيب للبشرية كلها: فقيامه عن العشاء يرمز إلى تركه أمجاد السماء، وخلع ملابسه يشير إلى إخلاء نفسه، وأخذه المنشفة يشير إلى تجسده فى جسم بشريتنا، وإتزاره بالمنشفة يرمز إلى أخذه صورة العبد، وصبه الماء فى المغسلة يرمز إلى بذل دمه الثمين لأجلنا، وغسله أرجل تلاميذه يكنى به عن تطهيره للعالم بالمعمودية، ومسحه أرجلهم كناية عن تقديس العالم. بركات عجيبة فى سر غسل أرجل التلاميذ، إنما يشير إلى كل هذه البركات العجيبة التى تمت نحو الفداء المبارك الذى قدمه الرب للبشرية مما جعل بولس الرسول فى رسالته إلى فيلبى يقول "فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلى نفسه آخذا صورة العبد وصار على مثال البشر". تعال ايها الرب يسوع واغسل اجسادنا ونفوسنا وانزع منا كل دنس وخطيئة، وعلمنا درسا عظيما في التسامح والغفران والمحبة والتواضع وعلمنا كيف نغسل اقدام اخوتنا المسيئين الينا بفرح وتهليل واسمح لقلوبنا ان تمتلىء بحبك وبذلك نستطيع ان نغسل كل تصرف شرير وان تتسع هذه القلوب لتتسع للجميع ولترى كل الاقدام طاهرة طهرنا يا رب بالماء والروح في المعمودية لنرى العالم كله طاهرا ومقدسا ولتبق يداك تغسل كل مؤمنيك وكل دنس فينا ولا تجعل الظلمة التي اخترقت قلب يهوذا ان تخترق قلوبنا، واجعلنا كبطرس نشتاق اليك ونتبعك اينما ذهبت مدركين ضعف امكانياتنا وكن لنا سندا فلا تستطيع فخاخ الشيطان ان تحوط بنا ولن يقدر العدو ان يملك في داخلنا طالما يداك تشرفان بالنور علينا وبذلك لا تستطيع الظلمة ان تتسلل الى داخلنا.