موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ مايو / أيار ٢٠٢٠

جدلية العودة للحياة الطبيعية

نيفين عبدالهادي

نيفين عبدالهادي

نيفين عبدالهادي :

 

بعد حجم الإنجاز الذي تحقق بشراكة حقيقية وواقعية رسمية وشعبية في مواجهة وباء كورونا المستجد، ليس سهلا أن تعلن الحكومة بين ليلة وضحاها العودة للحياة الطبيعية وفق ما ينادي به كثيرون، لا سيما وأن الوباء ما يزال خطره موجودا ويهدد البشرية جمعاء، وكما بات معروفا هو ذو قدرة واسعة على الانتشار، فكل شخص مصاب به يمكن أن يُصيب، شخصين إلى ثلاثة، وحتى اللحظة لم يتم الإعلان رسميا عن اكتشاف لقاح للوقاية منه أو الوصول لعلاج .

 

العودة إلى الحياة الطبيعية، عنوان حالة باتت تفرض نفسها شعبيا، لطول فترة الإجراءات الاحترازية التي تقيّد من حياة الكثيرين، اضافة للضرر الذي لحق بقطاعات عديدة، كلها وقائع ساطعة كالشمس لا تغطّى بغربال أي حجج أو مبررات، لكن هناك حقيقة علينا جميعا إدراكها وهي خطورة فتح مجالات الحياة بشكل طبيعي وفوري دون أي ضوابط أو إجراءات تضمن عدم انتشار الفيروس وعدم هدم ما تم انجازه حتى الآن في إدارة أزمة كورونا والتي كان عنوانها التباعد، ضمانا لتطبيق شعار الحكومة «الانحسار لا الانتشار».

 

الحكومة تدرك جيدا حجم المعاناة التي طالت المواطنين كافة، كما تدرك حجم الأضرار التي لحقت بقطاعات مختلفة، ولا يكاد تصريح حكومي أو ايجاز يخلو من سعيها لوضع خطط لتجاوز هذه الأزمة، وعلى أرض الواقع أعدّت عددا من الخطوات للبدء بالعودة للحياة الطبيعية، على أن يكون «تدريجيا» وفتحت المجال لقطاعات عديدة للعودة للعمل، وأعلنت عن عودة العمل في مؤسسات القطاع العام كافة بعد عطلة عيد الفطر، ضمن إجراءات وقائية على الجميع الإلتزام بها، ضمن دليل ارشادي للدوائر الحكومية ليشكّل خارطة طريق للعودة لموقع العمل بعد «كورونا».

 

حتما هي جدلية نعيشها جميعا، بالعودة للحياة الطبيعية، دون العودة للوراء، وضمان عدم انتشار الفيروس بشكل خطير تصعب السيطرة عليه فيما بعد –لا سمح الله-، فقد قطع الأردن طريقا طويلا من النجاح لا يمكن اغماض العين عن تضحيات كبيرة من الجميع قدمت خلاله، ليس هذا فحسب إنما كان الأردن أول دولة بالعالم تقوم بإجراءات احترازية وفرض التباعد الإجتماعي والجسدي، وكان أيضا الدولة الأولى التي أرسلت طائرة لمدينة ووهان الصينية في بداية أزمة كورونا وعملت على إجلاء رعايها ورعايا عرب، لتلحقها دول أخرى بذات الخطوة، ثم سارع بتعليق حركة الطيران مع الصين وكوريا الجنوبية ومن ثم دول أخرى أصبحت موبوءة بعد ذلك، وتبعها حزمة بل حزمات من التدابير الإحترازية، التي أوصلت وطننا اليوم ليكون آمنا وبائيا، الأمر الذي يجعل من قرار بدء العودة للحياة التي سبقت «كورونا» ليس سهلا ويحتاج الكثير من التدابير المختلفة لضمان البقاء في مساحة الأمن الصحي.

 

نحن نؤجّل أمانينا ولا نلغيها، إلى حين الوصول لصيغ توافقية تضمن تحقيقها بالكامل دون انتقاص، لتدوم ونمضي في مسيرة البناء التي لا ولن تتوقف في وطننا، نحن اليوم في مرحلة احتواء فيروس كورونا المستجد، نتيجة خطط أثبتت نجاحها، من ثم يجب أن يكون هناك ثقة بالإجراءات الحكومية، وإدراك أن التطوّر للأسف ليس آمنا مع كورونا بشكل كلي، فكما بات معروفا الأمر دائما جاهز للتفاقم، هو حمل ثقيل من أجلنا ومن أجل الوطن علينا تحمّله إلى حين ميسرة، فالعالم كله يقف معنا على ذات مفترق الطريق.

 

(الدستور)