موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٦ أغسطس / آب ٢٠٢٠

تأمل بمناسبة عيد التجلّي

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
لا تبحث عن مصلحتك. بل مارس المحبّة، وأعلن الحقيقة، حينها ستصل إلى الخلود، إلى الفرح، إلى السعادة الحقيقية ومعه ستجد السلام.

لا تبحث عن مصلحتك. بل مارس المحبّة، وأعلن الحقيقة، حينها ستصل إلى الخلود، إلى الفرح، إلى السعادة الحقيقية ومعه ستجد السلام.

 

صوتٌ يقول: "هذا هو ابنيَ الحبيب الذي عَنهُ رضيت: وذاك الصوت قد سمعناه آتيًا من السماء، إذ كنّا معه على الجبل المقدّس (بطرس الثانية 1: 17-18). فخاطبَ بُطرس يسوعَ وقال: "يا ربّ، حسنٌ أن نكونَ هَهُنا" (متى 17: 4).

 

بعد أن تعب بطرس من العيش وسط الجمع، وجد الوحدة والراحة على الجبل، حيث كانت نفسه تتغذّى من رؤية الربّ يسوع المسيح وتعاليمهِ. لماذا يترك هذا المكان ليذهب إلى المتاعب والمشقّات، خاصّةً أنّه كان يكنّ للربّ حبًّا شديدًا ومقدّسًا، وبوجوده مع يسوع كان يقدّس حياته؟ كان يريد هذا الفرح له، إلى حدّ أنّه أضاف قائلاً: "إن شئتَ، نصبتُ ههنا ثلاث خيَم: واحدةً لك وواحدةً لموسى وواحدةً لإيليّا" (متى 17: 4).

 

كان بطرس يرغب في وجود ثلاث خيم: لكنّ الجواب الآتي من السماء أظهر أنّه ليس لدينا إلّا خيمة ً واحدة وهي: "كلمة الله" وهذه الكلمة هو "الرّب يسوع المسيح"، كلمة الله في الشريعة، كلمة الله في الأنبياء، كلمة الله في الكتاب المُقدّس والضمير.

 

في اللحظة الّتي غمرت الغمامة الرُسُل، وشكّلت خيمة واحدة فوقهم، عندئذٍ خرج منها صوت. ذاك الّذي كشفه الصوت هو ذاك الّذي تمجّد فيه الشريعة والأنبياء: "هذا هو ابني الحبيب الّذي عَنهُ  رضيت، فله اسمعوا" (متى 17: 5). "فله اسمعوا": لأنّكم أصغيتم إليه في كتبِ الشريعةِ والأنبياء، ولكن مع الآسف لم تسمعوه جيدًا وكما يجب.

 

عند هذه الكلمات: "سقط التلاميذ على الأرض، وقد استولى عليهم خوفٌ شديد" (متى 17: 6). سقوط الرُسُل على الأرض، رمزٌ إلى موتنا، وبإرتفاعهم عن الأرض، رمز لقيامة المسيح ربنا وقيامتنا. لكن، ما هي فائدة الشريعة بعد القيامة؟ وما فائدة النبؤة؟

 

لمّا تجلَّى يسوع، للوقت اختفى إيليّا، واختفى موسى، ولم يبقي إلاّ الكلمة: "في البدء كان الكلمة، والكلمةُ  كان لدى الله، والكلمةُ هو الله" (يوحنا 1: 1). بقي الكلمة كما يقول القديس بولس في رسالته الاولى إلى أَهْلِ قورنتس: "ليكون اللهُ كُلَّ شَيْءٍ في كُلَّ شيء" (قورنتس الأولى 15: 28).

 

يا بطرس، اِنزلْ على عجل.

 

أخي المؤمن، انزل على عجل.

 

لأنك تريد أن ترتاح على الجبل وتكون بعيدًا عن العيش مع الآخرين ومساعدتهم وحلِّ مشاكلهم وحمل الصليب معهم.

 

إنزل يا بطرس، وبطرس اليوم هو: أنت وأنا وكل إنسان، لإنَّ الربّ نفسه يقول لكَ: "اِنزل لتحمل الصليب معه وتتألّم وتخدم، وتكون محتقَرًا ومصلوبًا في هذا العالم، من أجلِ خلاص البشرية".

 

أشرق النور ليضئ العالم. نزلت الحياة، والحياةُ نور الناس، لتموت، وتشرق في الظلمات. نزل الخبز ليتحمّل الجوع، نزلت الدرب لتتعب على الطريق، نزل الينبوع ليتحمّل العطش. نزل المسيح ليرتفع على الصليب وليمنحك الخلاص والحياة والسعادة والفرح.

 

نزل المسيح من أجلكَ وأنتَ ترفض أن تُحب وتساعد وتتألّم و...؟

 

لا تبحث عن مصلحتك. بل مارس المحبّة، وأعلن الحقيقة، حينها ستصل إلى الخلود، إلى الفرح، إلى السعادة الحقيقية ومعه ستجد السلام.