موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ يوليو / تموز ٢٠٢٠

ايا صوفيا.. وراء الاكمة ما وراءها!

سهاد طالباني

سهاد طالباني

سهاد طالباني :

 

بالتأكيد لن يؤدي تحويل أيا صوفيا الى مسجد الى زيادة عدد المصلين في تركيا او الى نقص عدد السواح الأجانب الذين اعتادوا زيارة متحف أيا صوفيا ضمن جولاتهم السياحية في أوروبا، ولذلك فأنه لا يمكن ابدا فهم الدافع الحقيقي لقرار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضمن سياق صراع الأديان او الحضارات، والتاريخ حافل بالعديد من الحالات التي تم فيها تحويل دور العبادة من دين الى اخر من قبل من يحكم على الأرض، وفي موضوع تحويل الكنائس الى مساجد او العكس فان هناك كثيرا من الأمثلة التي يمكن استحضارها، ولكن المهم ان هذه الأمثلة لا يمكن ان تشكل أساسا صلبا لتحليل وفهم قرار الرئيس التركي.

 

ما يجب علينا ان ندركه ان القرار سياسي بامتياز، وأن وراء أكمة هذا القرار ما وراءها، فأردوغان سواء لمحبيه او كارهيه هو سياسي بارع ومناور صلب، وهو رجل يمتلك طموحا كبيرا سواء على مستوى مصلحة الدولة التركية كما يراها ويفهمها اردوغان وحزبه، او حتى على المستوى الشخصي.

 

في واقع الامر فأن القرار يحمل في طياته غايات واهدافا على المستويين الداخلي والخارجي، فداخليا لا يمكن الا ان نرى في قرار اردوغان رسالة مهمة لجمهوره من الناخبين في إسطنبول وتركيا، هذا الجمهور الذي اهتزت ثقته في حزب العدالة والتنمية كما كان واضحا وجليا في نتائج الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي والتي خسر فيها الحزب العديد من البلديات لصالح منافسيه، بما فيها بلدية إسطنبول نفسها التي كان الحزب (بمختلف مسمياته) يسيطر عليها منذ العام 1994 عندما تم انتخاب اردوغان نفسه رئيسا لبلدية إسطنبول، ولينطلق من هناك باتجاه موقع الرئاسة التركية فيما بعد. ومن الواضح ان اردوغان بقراره هذا يهدف الى استخدام ورقة الشعور الديني القومي لدى أنصاره من اجل عودة الحزب الى وضعه السابق للعام 2019، خاصة ان هناك تكهنات بوجود خطط لتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة في تركيا.

 

هدف اخر يتناوله المحللون الا وهو ان القرار هو محاولة من قبل الرئيس التركي لصرف الأنظار عن الازمات والمشاكل التي تتفاعل في الداخل التركي، سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي، حيث يتعرض اردوغان وحزبه لوابل من الانتقادات من الأحزاب المنافسة في الملف الاقتصادي، وملف حقوق الانسان، وكذلك ملف السياسية الخارجية، كما ان هذه الانتقادات لا تقتصر على الأحزاب المنافسة، بل انها تمتد الى داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، والذي شهد ويشهد صعود تيارات تخالف توجهات الرئيس اردوغان وتياره داخل الحزب.

 

اما على المستوى الخارجي، فهناك عدد من الرسائل والاهداف التي يمكن قراءتها في قرار تحويل او اعادة ايا صوفيا الى مسجد، أولها يتمثل في محاولة اردوغان تعزيز التعاطف معه بين الشعوب العربية والإسلامية، خاصة في خضم خوضه نزاعا وصراعا كبيرا مع دول عربية إسلامية كالسعودية والامارات ومصر، سواء في الملف السوري او الملف الليبي، ويرغب اردوغان بالتأكيد في تكوين جبهات شعبية مناصرة له، وليس هناك افضل من مخاطبة العواطف الدينية لتحقيق ذلك، ودليل ذلك ان خطاب اردوغان الموجه الى الشعوب العربية بلغتهم حمل رسالة يربط فيها قراره بعودة الحرية للمسجد الأقصى، فيما لم يرد هذا النص او المعنى في تغريداته باللغة الإنجليزية.

 

الرسالة الأخرى في القرار موجهة الى الغرب بشكل مباشر، وتحمل في طياتها ثلاث نقاط رئيسية، أولها تأكيد على ان تركيا دولة "فاعلة لا مفعول بها" كما وصفها اردوغان نفسه في تغريداته، وانها دولة تتخذ قراراتها من منطلق السيادة الكاملة وعدم التبعية، وان وزنها السياسي يمنحها القدرة الكاملة على اتخاذ أي قرار حتى لو لم يعجب الدول الغربية، اما النقطة الثانية فمضمونها ان اردوغان وحزبه يحظون بتأييد شعبي داخلي وأن على الدول الغربية ان تتعامل مع واقع ان الحكم في تركيا لن يكون الا في يد العدالة والتنمية، حاليا وفي المستقبل القريب، وان اردوغان وحزبه يتمتعون بالشرعية الكاملة لاتخاذ أي قرار مهما كان، وفي الوقت ذاته وكنقطة ثالثة، يرسل اردوغان تأكيدا الى الغرب بان تركيا دولة تحترم الحضارات والتعددية من خلال ما قاله بان المسجد سيبقى مفتوحا للجميع.

 

كل المذكور أعلاه، يؤكد ان قرار تحويل ايا صوفيا الى مسجد ليس قرار دينيا، بل هو قرار وتكتيك سياسي بامتياز، يسعى من خلاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى تحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية، وعليه فان أي انقسام حول القرار لا يمكن ان يكون من منطلق ديني، لأن جوهر القرار سياسي، وان كل ما نراه من سجالات تستشهد بالتاريخ هي في الحقيقة سجالات لا تلمس حقيقة الموضوع.

 

(عمون)