موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

الهجرة المسيحية "النموذج السوري"

المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية

المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية

باسل قس نصر الله :

 

ما نشهدهُ اليوم هو حركة هجرة "مسيحية في المنطقة العربية" وفي سورية خاصة، جماعية وسريعة الوتيرة تحفّزها الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي نعيشها، والمسيحيّون بذلك ليسوا استثناء عمّا يجري لأقرانهم المسلمين.

 

ويُضاف إلى ذلك أن "بعض المسيحيين يشعرون بأنهم مهمشون ولا رغبة في وجودهم" وهذا مقطع من إجابة البطريرك نصر الله صفير على سؤال عن أسباب هجرة المسيحيين العرب من أوطانهم عام 2003.

 

عبر السنوات، ومن خلال مناقشاتي مع الكثير من فئات الشعب السوري، تأكّدَتْ قناعة سابقة، أن التنوع الإثني في أي مجتمع يخفف من غلواء التطرف. والمجتمعات ذات الغالبية الإسلامية ليست بعيدة عن ذلك، فإن وجود المسيحيين في سورية يساعد على عقلنة التطرف -إذا جاز التعبير- ويُخفض مِن وتيرة الإرهاب، وعلى البلاد الأجنبية ان تعي ذلك، لأنني ألمسُ إفراغ آسيا الوسطى مِن الثِقل السكاني للمسيحيين - سكانها الروم، الأرمن، الآشوريين، العرب المسيحيين في جنوب تركيا، موارنة لبنان - بالمذابح، بالتهجير القسري للسكان أو بالهجرة الى أوروبا والولايات المتحدة، وهذا سَيَرتد على هذه المناطق التي ستَفقد المسيحين بأن تُصبح مرجلاً تطرفياً قابلاً للإنفجار، والإنفلاش في كل أنحاء العالم، وهو ما نلمسه اليوم.

 

لماذا نهاجر؟

 

إن موضوع الهجرة المسيحية يتناوله الناس عامةً، من تأكيداتٍ مصدرها الخوف والقلق، وبدوافع ترتكز على إرادة الخروج من مأزق إجتماعي وإقتصادي، أو على الهروب مِن واقعٍ لا يرتضونه.

 

ومازالت هنالك أسباب تدعو الى هجرة المسيحيين مِن المنطقة عامة وسورية خاصة. وواحدة من هذه الأسباب، عقدة الشعور بالخوف من المستقبل. فأمام موجة التعصب وسوء التفاهم، وأمام التيار الأصولي الإسلامي المتنامي الذي نتنبّه له "من أسماء الفصائل المحاربة على الأرض السورية"، والذي هو "من صنع الغرب السياسي" كما قال لي الشيخ الدكتور محمود عكام مفتي حلب والذي "يحزن على شعوب الغرب لِما يحدث الآن"، يتنامى الشعور بالخوف من المستقبل والخوف من عدم استمرارية روح العيش المشترك بين المسيحية والإسلام. ربما يكون هذا العامل النفسي غير صحيح، ولكنه في الواقع موجود.

 

لماذا الهجرة؟ لأسباب كثيرة، منها الوضع الاقتصادي المتردّي. هذه الظاهرة ليست محصورة بالمسيحيين فقط، ولكن تأثيرها سلبيًا واضح فيهم وفي المسلمين، والعقوبات الاقتصادية المتعددة على سورية تؤثر بشكل كبير على الإقتصاد المجتمعي العام، والمسيحي الخاص.

 

اليوم ظاهرة الهجرة أصبحت خطيرة -ومنها ما تسببه العقوبات الإقتصادية على سورية- فالناحية الإقتصادية دافع من دوافعِ الهجرة. ولكن الواقع أن هنالك إحساسًا بالخوف من المستقبل، لأن المجازر التي وقعت في بدايات القرن العشرين في أيام العثمانيين تتراءى أمامهم، وكأن المسلمين يستعدون لشن حملة اضطهاد على المسيحيين في أي لحظة، الأمر الذي يُنكره العقلاء، وكل من يفهم ما معنى الوحدة الوطنية والإخاء الديني والعيش المشترك في سورية.

 

إننا إزاء مأساة مستمرة تستهدف الوجود المسيحي، والنتيجة تُعبِّر عنها الهجرة وسط صمت إسلامي وغربي مريب لا تنفعه المواقف المنددة التي تطلقها بين الحين والآخر المرجعيات الزمنية والروحية.

 

المشكلة مع هجرة المسيحيين، هي أن معظم الجماعات المسيحية في بلادنا جماعات صغيرة عدديًا، ومن ثم تترك الهجرة فيها أثرًا كبيرًا من حيث شلّ قدرتهاعلى متابعة الحياة الجماعية بما تتطلبه من نشاطات هجرة.

 

تؤثر هجرة المسيحيين السوريين سلبًا على تركيبته السكانية، فبفعلِ هجرة فئة الشباب بقي أهلهم الأكبر سنًا، وهي مشكلة، وسنلاحظ أن تفريغ المنطقة سنلمسه بعد سنوات.

 

إضاءة حول بعض الحلول:

 

إن صنع السلام في المنطقة عامة وسورية خاصة، هو العامل الأول لترسيخ العرب المسيحيين في أوطانهم.

 

انا من مسيحيي سورية، وصمتنا يعني: أننا لا نطالب الا بالمواطنية التامة، بالمساواة، ولا نريد حماية أجنبية، ولا وصاية، ولا استقواء بالخارج، نحنُ لسنا أهل تقوقع، ولا نريد تسهيلات للهجرة وإلّا سأصبح حارساً لمنازل المسيحيين الفارغة المهجورة.