موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

القضية الأردنية

سائد كراجة

سائد كراجة

سائد كراجة :

 

الضم “annexation” وبسطُ دولة الاحتلالِ –وبتصرفٍ أُحادي الجانب– سيادتها على أرضٍ وقعت بالاحتلالِ تحت سيطرتها، وهو أمرٌ محظورٌ بموجبِ القانونِ الدوليِ، نتنياهو سيضمُ أراضي محتلة منذ العام 1967، وهي أراضي الغورِ الغربيِ، وتقعُ ضمنَ أراضي منطقة ج من الضفة الغربية حسب تقسيمات أوسلو، وتبلغُ مساحتها حوالي ألف وثمانمائة كيلو متر مربع أي حوالي 30 ٪؜ من مساحةِ الضفةِ الغربيةِ البالغةِ 6220 كيلو مترا مربعا.

 

وأياً كانَ شكلُ الضمِ وحجمه، ومع أنهُ لا يمسُ أرضَ المملكةِ الأُردنية الهاشميةِ، إلا أنَ الضمَ يمثلُ تحولاً في العلاقةِ “الإسرائيلية” الأردنية، ينقلها من مرحلةِ السلامِ الباردِ على الحدودِ إلى مرحلةِ الصراعِ على الوجودِ، وهو إعدامٌ إسرائيليٌ أميركيٌ لحلِ الدولتين، وإعدام لفرصةِ إقامةِ دولةٍ فلسطينيةٍ كانت ستمثلُ للأردنِ ترسيماً لحدودِ دولةِ “إسرائيل”، بعيداً عن الأردنِ جغرافياً وديمغرافياً، والأخطرُ أنه – أي الضم ـ يعتبرُ مباشرةً لصفقةِ القرنِ التي تنوي إقامة كيانٍ فلسطينيٍ مسلوب منهُ أغلب أرضِ الضفةِ الغربيةِ، وستجعلُ – في ظلِ يهودية الدولةِ – أغلبَ الشعبِ الفلسطيني في الضفةِ الغربيةِ “حمولةً زائدةً” يجبُ التخلصُ منها، في “الترانسفير” تجديداً لمأساةِ الشعبِ الفلسطينيِ، وتهديداً أمنياً للأردنِ، وبما سيمثل “صداماً كبيراً”، وإعلاناً لـ “القضية الأردنية” المتمثلة باستهداف إسرائيل لهويةِ الشعبِ الأردنِ؛ باعتبار الأردن الأكثر ترشيحاً لمثلِ هذا “الترانسفير”.

 

المؤلمُ أنَ البعضَ يتحدثُ عن هذا الخطرِ، ويتعاملُ معه بعقليةِ “كوهين”، وكأن الأردن “كردورٌ” جاهزٌ للعبور، خالٍ من شعبه ومن جيشهِ. الأردن وطنٌ عصيٌ أمامَ التحدياتِ فقد تجاوزت الدولةُ والنظامُ والشعبُ كثيراً من المحنِ التي عصفت بهم منذُ التأسيس وحتى الآن، ولكن للخروجِ من الكلامِ العامِ نسألُ، ماذا سنفعلُ حيَال هذا الخطر المحدق؟!

 

خياراتُ الأردنِ عديدةٌ ومحددات قدراته أيضاً قائمةٌ، وأصعبها المساعداتُ الأميركيةُ والعربيةُ المتأثرةُ بالتوجيه الأميركي، ولا ننسى الوضعَ الاقتصاديَ في ظل جائحة كورونا، الأردنُ رفضَ الضمَ، وسوف يستمرُ برفضه ولكنهُ ليسَ بالضرورةِ قادرا على وقفه، وإذا صحَ هذا الرأيُ فإن السؤال، ماذا على الأردن أن يفعلَ في هذا الصددِ، وماذا بقدرته أن يفعل؟

 

بدأ الأردنُ بقيادة جلالة الملكِ، تحركاً دبلوماسياً عالمياً لحشدِ رفضِ الضمِ واستنكارهِ، ووقفَ وحيداً في وجه الضغطِ الأميركيِ والعربيِ والإسرائيليِ، وقد أثمرَ ذلك لحد الآن بتململٍ إسرائيليٍ أميركيٍ بالاعتراضِ على الضمِ أعتقدُ أنه سيتصاعدُ في الأيامِ القادمةِ، وأيضاً الأردنُ أمامه أوراقٌ عدةٌ منها تجميدُ اتفاقيةِ وادي عربة، وإعلانُ الضمِ عملاً عدوانياً يؤهلُ الأردنَ لإلغائها، وتجميدُ التنسيقِ السياسيِ والأمني، والإعلانُ عن تقديمِ صفقةِ الغازِ للدراسةِ القانونيةِ والبرلمانيةِ تمهيداً لإلغائها، ووقفُ منحِ أي تأشيراتٍ للإسرائيليين، وتجميدُ التمثيلِ الدبلوماسيِ ودراسةُ تخفيضهِ، وهذه الخطواتُ يجب أن تدرسَ شكلاً وتوقيتاً حسب المصلحة العليا، وشكل إدارةِ هذا الصراعِ الجديدِ الكبيرِ، ولأن الأردنَ مستهدفٌ بوجوده فإن خياراتهِ يجب أن تنبعَ في تصوري من ثابتٍ وطنيٍ استراتيجي، يتمثلُ في حالةٍ شعبيةٍ تهبُ للدفاعِ والحفاظِ على الدستورِ، بما يضمنه ذلك من الدفاعِ عن الأردنِ النظامِ والجغرافيا والشعب والهوية الوطنية، وإعلانُ هذه الحالة الشعبية جبهةً داخليةً متماسكةً متينة، تعلنُ أن أفكارَ الترانسفير مرفوضةٌ أردنياً من كافةِ مكونات الشعبِ، وإن الأردن فيها أصول ومنابتٌ نعتز بها لكونها تشكلُ شعباً واحداً أردنياً ملتفاً حول كيان الدولة ودستورها وملكها وجيشها، وهنا على مؤسسات الدولة، وعلى كل مواطن أن يختار، هل يكون ذخيرة للوطنِ أم ذخيرة للعدو! فمحاولات الدس بين الدولة والشعب في هذا الظرف ذخيرة للعدو، وإثارة النعرات الأثنية والدينية ذخيرة للعدو، والاعتداء على الحريات العامة ذخيرةٌ للعدو، والاستقواء العددي والأيديولوجي وعدم تقدير الظرف الاقتصادي ذخيرة للعدو، والتهجمُ على الدستورِ وهيكلِ الدولة ذخيرة للعدو، والاعتداء على حرية الرأي والتعبير ذخيرة للعدو.

 

القضيةُ الأردنية، قضية شعبٍ قاومَ المشروع الصهيوني منذ البدء وحمل حلم القومية العربية، ودافع عن الأرض العربية، واستشهد من أجلها، القضية الأردنية قضية دولة فيها الإنسان أغلى ما تملك، وعند الجد تضحي بالغالي والنفيس ولا تأكل بثدييها، فاهم علي يا كوهين؟

 

(الغد الأردنية)