موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣ مارس / آذار ٢٠٢٠

الصوم

بقلم :
ميشيل فرنسيس - فرنسا
الصوم تعبيرٌ عن إيماننا بالحياة التي بعد الموت

الصوم تعبيرٌ عن إيماننا بالحياة التي بعد الموت

 

الصَوم هو علاقةٌ إيمانٍ وعلامةُ إيمانٍ في آنٍ معًا.

 

إنّه علاقةُ إيمانٍ، لأنَّه علاقةٌ معَ شخصِ يسوعَ المسيح الحاضِرِ معَنا والذي نَنتظِرُ حضورَهُ على أرضِنا مِن خِلالِ الاحتِفالِ بتذكاراتِ حضورِهِ معَنا مثل: الميلاد، والقيامة، والصُّعود...

 

وهوَ علامةُ إيمانٍ، فيُعبِّرُ بشكلٍ مَحسوسٍ عَن أمورٍ غيرِ مَحسوسَةٍ، عَن العلاقةِ معَ اللهِ. والصلاة تأخذ دورًا مهمًا في توطيدها.

 

ولا يَغيبُ عَن ناظرَي المؤمنِ حضورُ اللهِ في القريبِ المُحتاجِ، فالصَّومُ أيضًا علاقةُ حُبٍّ وانفِتاحُ القلبِ على القريبِ المُتألِّمِ والمُحتاجِ لِنُشاركَهُ في خَيراتِنا الرُّوحيَّةِ والماديَّة.

 

نُعبِّرُ بالصَّومِ مِن خلالِ انقِطاعِنا عَن بعضِ الأطعمَةِ، على أنَّ الطَّعامَ الذي نأكلُهُ والذي هوَ عُنصرٌ للحَياةِ ليسَ ما يُعبِّرُ عَن رغباتِنا العميقةِ، عن اللهِ. نَبتعِدُ عَن وجهٍ مِن وجوهِ الحياةِ لنقولَ إنَّنا لا نبغي وجوهَ الحياةِ المُتعدِّدَةِ، وإنَّما نبغي الحياةَ بذاتِها، شخصُ يسوعَ المسيح. ومِن وجوهِ الحياةِ: الطَّعامُ، والشَّرابُ، والعلاقاتُ الجنسيَّةُ، و... فما هوَ رمزُ التَّعلُّقِ بها؟ لا يُمكنُ اقتِفاءُ أثر هذهِ الأمورِ إلّا مِن خلالِ مَسيرتِها اليَوميَّةِ إنّها عناصرُ ضَروريَّةٌ للحياة. تُعبِّرُ عَن رغبةِ الإنسانِ في الحياةِ. ولكن إذا تمادى الإنسانُ في تعلُّقِهِ بإحدى هذهِ الوجوهِ فما ذلكَ إلّا لِشعورِهِ بأنَّ حياتَهُ مُهدَّدةٌ وخاليَةٌ مِنَ السَّلام.

 

إنّ الصَّومُ علامةٌ على انتِظارِ المسيحِ الحاضِرِ والغائِبِ، وهوَ تعبيرٌ عَن إيمانِنا بالحياةِ التي بعدَ الموت.

 

فعدمُ وجودِ السَّعادةِ في واقعِ حياةِ المرءِ قد تدفعُهُ للتمادي في َقطفِ وَجهٍ مِن وجوهِ الحياة الحاضِرةِ أمامَهُ، ولكنّه لا يَجدُ تغييرًا في واقعِهِ، فقلقُهُ يَستمرُّ، لذلكَ يقفُ أمامَ خيارَين: إمَّا أن يُصغي إلى ذاتِهِ، إلى حياتِهِ بكُلِّ ما فيها مِن آلامٍ وأفراح ويَسعى إلى معرفَةٍ باطنيَّةٍ لهذهِ الحياة فيطلب الاهتداء والرجوع إلى الله أو لتعميق علاقته به. أو أن يَهربَ نحوَ وسائِلَ تُخدِّرُ ما فيهِ مِن قلقٍ واضطِراب.

 

وعندَما يَعيشُ الإنسانُ قَلقًا تجاهَ حياتِهِ قد يكون ذلكَ لأنّه وعى بأنَّها ليسَت مِنهُ، بأنّها هبة ولن تستمرَّ على الأرضَ بِشكلِها الرَّاهن. لذلكَ، قد يغوصُ الإنسانُ في وسائلَ تخديرٍ للهُروبِ مِن هذهِ الحَقيقةِ. معَ أنَّ حياةَ الإنسانِ ليسَت فانيَةً لكنَّها تَمرُّ بالموتِ لِتصلَ إلى الحياةِ التي تَفيضُ بالفرحِ والسَّلامِ حيثُ يَجدُ الإنسانُ ذاتَهُ العميقةَ بجوار الحياة والحبّ.

 

وما الصَّومُ إلّا شكلٌ مِن أشكالِ الموتِ الذي يبتغي الإنسانُ مِن خلالِهِ الوصولَ إلى نبعِ الحياةِ والحبّ وهو يعيش على هذه البسيطة.

 

من كتاب "نعم للحياة" ميشيل فرنسيس