موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠٢٠

السلام الممكن.. لا المستحيل

كاتب مصري

كاتب مصري

إميل أمين :

 

ربما لم تسيطر قضية بعينها على عقول وقلوب الشرق أوسطيين مثلما فعلت القضية الفلسطينية ، وقد بدا مؤخراً بعد مؤتمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي

 

أن حلقاتها تضيق ولا تنفرج، وان احتمالات السلام تكاد من فعل الوسيط الأميركي أن تتوارى لصالح احتمالات الصدام واشتعال المشهد على الأرض الفلسطينية مرة جديدة. غير أن واقع الحال وما جرى خلال الأسبوعين الماضيين يشي بأن الفلسطينيين قيادة وشعبًا قد كانوا على مستوى عدالة القضية، وبدا واضحًا أن خطابهم الإعلامي وتوجهاتهم الميدانية قد نضجت بشكل كبير، ما يتجاوز الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة، ومنطق الطبلة والربابة، كما في قصيدة الشاعر السوري الكبير نزار قباني.

 

نجح أبومازن عبر كلمته في مجلس الأمن الدولي حين قدم خطابًا راقيًا، أمسك فيه على الثوابت بأسنانه وكلماته، انطلاقًا من الحق الفلسطيني المؤكد الذي لا تشوبه شائبة، والذي يسعى إلى العالم عبر منظومة الحقوق والعدالة، لا القوة أو الإرهاب، ولم يخل خطابه من منظومة تسعى قولاً وفعلاً في طريق السلام مع الجانب الإسرائيلي، من غير إقصاء، أو عنصرية، بل فتح المجال واسعاً للتعايش والتعاون بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

 

جاء خطاب «أبو مازن» إنسانيًا وحقوقيًا في الوقت عينه، وقد أجاد بالفعل في مخاطبة المجتمع الدولي، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية على أهميتها ووزنها الكبير في التوصل إلى حلول، ليست الطرف الحاكم الأوحد في المشهد، ولا يجب أن تكون، فهناك الرباعية الدولية، وهناك الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهناك تجمعات سياسية واقتصادية حول العالم تدعم الحق الفلسطيني الواضح وضوح الشمس في ضحاها.

 

كان من الواضح أن أبو مازن قد أحرز أكثر من هدف من خلال حثه الإيجابي والخلاق للمجتمع الدولي للوقوف إلى جانب قضيته، وهو ما انعكس غضبا على المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، تلك التي لم تجد ما تصرح به في مواجهة أبو مازن سوى القول إن الأمم لمتحدة قد فشلت في التوصل إلى حل لهذه الإشكالية التي طالت، وهو قول لا يستند على وقائع، إذ لم تكن الأمم المتحدة يومًا صاحبة مبادرة في هذا الإطار، بل كانت هيئة مراقبة دولية، ولا تزال تنظر للأراضي الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية على أنها أرض محتلة بالقوة العسكرية، ولهذا لا يمكن ولا يجوز تغيير طبيعتها الجغرافية أو هويتها الديموغرافية.

 

في أعقاب كلمة أبو مازن في مجلس الأمن فوجئت أطراف كثيرة عربية وأوروبية، أميركية وإسرائيلية، بأبو مازن يتنادى إلى مؤتمر صحفي برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت لتوضيح وجهة النظر الفلسطينية الخاصة بالاستعداد لاستئناف مفاوضات السلام تحت مظلة دولية، وبناء على اتفاق السلام في عام 2008.. ماذا عن هذا الاتفاق؟

 

كان أولمرت قد عرض على أبومازن خطة للسلام في 2008 اشتملت على انسحاب إسرائيلي شبه كامل من الضفة الغربية، واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية مع بسط السيطرة الدولية على الأماكن المقدسة في القدس، ثم التفاوض بشان قضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب مبادرة السلام العربية.

 

كان الطرفان قاب قوسين أو أدنى من اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، إلا أن قضية فساد مالي قادت أولمرت إلى السجن لمدة 16 شهر، ما جعل الفرصة النادرة تضيع، وهنا يعن لنا أن نتساءل هل كانت الاتهامات الموجهة لأولمرت تهدف إلى قطع الطريق على سلام حقيقي قادم بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

 

يكاد المرء يشك أن ما جرى لأولمرت هو رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر لما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين عام 1996 والذي تجمع الآراء على أنه كان ماضيًا قدمًا في إكمال مسيرة أوسلو، قبل أن يلقى مصرعه برصاصات يميني إسرائيلي متطرف.

 

عقب لقاء أبو مازن أولمرت تساءل البعض هل أخطا الرئيس الفلسطيني في الظهور مع أولمرت. بالعكس يحسب لأبو مازن أن هذه الشراكة ولو في مؤتمر صحفي قد أكسبت القضية والقائمين عليها زخما إيجابيا ينفي عن العرب والفلسطينيين فكرة مغشوشة عن عداءهم للسامية، ويبين للقاصي والداني رغبتهم الإيجابية في التوصل لحل سلمي عادل.

 

قد يختلف أبو مازن في رؤيته لخطة ترامب عن موقف أولمرت، لكن حين يظهر الأخير متحدثًا عن أن غالبية الإسرائيليين لا يعارضون مفاوضات مع الفلسطينيين، فإن ذلك يعني أن السلام ممكن وليس مستحيلاً.

 

(الاتحاد الإماراتية)