موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٦ فبراير / شباط ٢٠٢٤

السعادة وفلسفة الحياة

سارة طالب السهيل

سارة طالب السهيل

سارة طالب السهيل :

 

يبحث كل إنسان منا عن السعادة، فيكد وقد يشقى كثير لينال منها بنصيب وافر وفي سعيه عنها بكل مرحلة من مراحل حياته يظن أن هذه السعادة الذي يرجوها، ولكن سرعان ما يتبخر هذا المذاق السريع للسعادة ليعاود البحث عنها مجدداً في جوانب أخرى من حياته.

 

وكل ما أدركته حتى الآن أن مبادرتي بلعبة لطفل تغمره بالسعادة والانتماء إليك، وتسري ابتسامته كفلق الصبح في عيني وقلبي وروحي فتنعشني وتمدني بالطمأنينة والغبطة وطاقة روحية تملأ الكون شرقاً ومحبة.

 

يتزايد هذا الشعور عندما أقدم هذه الهدايا البسيطة للطفل اليتيم واربط بيدي حانية على شعره واحتضنه فيشعر بالأمان والاهتمام والحنان فيرمقني بنظرة امتنان وحب تغسل قلبي من أكدار الحياة فأصفو صفاء البدر ليلة اكتماله.

 

قد تتداخل المشاعر عند إنجاز كتاب لي وافرغ من همه، فاشعر بالراحة النفسية، أو عند نجاحي في مهمة إنسانية معينة أو رسالة أبثها عبر مقالاتي، وأجد رجع الصدى الجيد حولها فأشعر بالغبطة من وصول رسالتي للناس، مما يشجعني على استكمال المشوار.

 

ولكن فرحتي تتعمق أكثر من الإنجاز عندما يسأل عني من انقطع عني لسنوات، وعاد محملاً بذكريات الطفولة وأيام البراءة الأولى، فأشعر كأنني ولدت من جديد وأني ما زلت طفلة تلهو مع صديقاتها أسفل منزلها تسمع زقزقة العصفور، وتتابع سرب الحمام وهو يطير بجناحيه في منظومة إبداعية رائعة.

 

الناس عادة في سنوات العمر الأولى تحصر السعادة في أشياء مادية، كالتفوق العلمي والتميز المهني، وتحقيق الذات والشهرة والنجاح المتوالي، ورغد العيش وامتلاك المال والبيوت والسيارة، والزواج الناجح والأبناء وغيرها من متطلبات الحياة الضرورية، ولا ننكر أن إشباع هذه الأهداف يحقق قدراً من السعادة المهمة، لكنها كانت سعادة مؤقتة تنتهي لفترتها بزهو اللحظات التي نعيشها من تفوق وحب وزواج وعمل، فصرنا نبحث عن معاني جديدة للسعادة لم نشرب كاساتها بعد.

 

وهذا يعني أن رؤيتنا للسعادة قد تتبدل من مرحلة عمرية لأخرى، ومن معطى ثقافي واقتصادي لآخر، ومن بيئة لأخرى، لكنها النهاية تعبير عن الفرح والابتهاج وكل ما يزرع السرور في النفس البشرية، وتتباين تعريفات السعادة من مجتمع لآخر وفقا لطبيعته الفكرية والاجتماعية والدينية، كما تتباين في مفهومها لدى الفلاسفة والأدباء كل حسب تجربته مع السعادة.

 

قد تتحق المتعة بشعور البهجة أو الفرح عند القيام بعمل يسبب المتعة. وتختلف مصادر المتعة من شخص لآخر، فمنهم من يشعر بالمتعة عند القراءة، ومنهم من يشعر بالمتعة عند الاستماع إلى الموسيقى، وغيرها.. بينما السعادة الأطول أجلا فهي شعور يتأثر به من حولك وقد تكون ردة فعل على إنجازات على المستوى الشخصي.

 

تتباين النظرة للسعادة بين شعوب الشرق وشعوب الغرب، فبينما يعتبر الغرب عناصر الثروة أساساً للسعادة، فان النظرة الشرقية للسعادة تتداخل فيها مقومات أخرى للسعادة كالعلاقات الاجتماعية والأسرية.

 

لذلك فإننا بحاجة إلى تقوية روابطنا الانسانية والأسرية الدافئة التي كانت وستظل مبعثا على السلام والامان والسعادة، وان نتعاون جميعا في خلق حالة جماعية من السعادة، وأن نبث روح الدعابة والفكاهة بيننا لنتجاوز الطاقات السلبية التي قد تصيبنا من جهد العمل والطموح الشاق أو الامراض والفشل وغيره، والسعادة هي التناغم بين العقل والروح والقلب والجسد وجعل حالة من التوافق والصداقة بينهم، حتى لا يتنافر كل ما بداخلك ويدخلك في صراعات تقلق سلامك الداخلي وانسجام أركانك.

 

كما أن السعادة برأيي هي نابعة من النفس الداخلية فالكثير من الأشخاص يملكون كل مقومات السعادة من نجاح و استقرار مادي وأسري، ولكن لا يشعرون بنعم الله عليهم بسبب الأمراض التي تصيب قلوبهم وأرواحهم فهنا يجب علاج النفس، وعقد جلسات صلح بين الروح والجسد الذي يتعامل مع المحيط بحواسه الداخلية والخارجية.

 

في الفترة التي كنت أعيش بها في بلد أجنبي كانوا دائماً يحثونا على تعلم الاعتماد على النفس، وتعلم العيش منفردين، حتى لا تكون سعادتنا مرتبطة بأشخاص ومعتمدة عليهم، ولكن بطبيعة تربيتنا ونشأتنا «كشرقيين»، لا يمكن أبدا فصل أنفسنا عن أهلنا و أسرتنا، فنحن كائنات اجتماعية أسرية نفرح باللمة الحلوة و تجمع الاهل و الاصدقاء ولا نستطيع العيش بمفردنا، ونحن أيضاً كشعوب تتسم بالعاطفة والإنسانية لا يمكننا أن نشعر بالسعادة إذا أحد أفراد أسرتنا حزين أو مريض، بل نتعاطف ونتأثر بمن حولنا بدليل شعورنا بالحزن على أهلنا في فلسطين واليمن وسوريا والسودان وقبلها العراق وليبيا ولبنان.

 

نحن شعوب نفقد السعادة إذا رأينا طفلا يشعر بالبرد أو امرأة مسنة مكسورة القلب على ابنها الشهيد أو رجل جائع أو أسرة بلا مأوى، نحن شعوب تفقد سعادتها اذا ما رأت تراجعا في القيم والمبادئ والسلوك والأخلاق و العلم والثقافة، نحن تعلمنا أن نحمل الهموم فلم تكن همومنا الشخصية همنا الوحيد، إنما نحمل في قلوبنا هموم أمة بأكملها.

 

(الرأي الأردنية)