موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٨ فبراير / شباط ٢٠٢٠

الحرية وقود التطوّر

مدير الاعلام والعلاقات العامة في دائرة الافتاء الأردنية

مدير الاعلام والعلاقات العامة في دائرة الافتاء الأردنية

د. حسان ابوعرقوب :

 

حريّة الإنسان بمعنى قدرته على إبداء رأيه، أو اتخاذ قراره دون قيد أو شرط أو جبر أو إكراه، من أهم الحقوق الأساسية للإنسان، وقد جاء في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: (يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء) ونلاحظ هنا الرّبط بين الحريّة والكرامة؛ لأن الإنسان إذا فقد حريّتَه أُهدِرت كرامته، وصار عبدًا لإنسان مثلِه، ولا يليق بالإنسان أنْ يكون عبدًا إلا لله وحده سبحانه.

 

من خلال الحريّة يُعبّر الإنسان عن رأيهِ ومواقفهِ وحاجاتهِ ورغباته ومطالبه، يعبِّر عن سروره أو حزنه، عن رضاه أو سخطه، فتكون هذه الحرية المقياس الذي يرجع إليه كلّ صاحب قرار ليعلم وزن قراره وأثره على الآخرين، وينطبق هذا الكلام على الأسرة والدولة، فمثلا لو اقترح الوالد أن يأخذ أسرته في رحلة سياحية إلى العقبة، ثم ناقشهم في ذلك، وكان جوُّ الحرية هو السائد في الأسرة سيسمع أحدهم يقول: إنّ الحرارة مرتفعة في مثل هذه الأيام، فنكون كالذي انتقل من الشتاء إلى الصيف، وهذا ربّما يكون ضارًّا بصحتنا، ويقول آخر: المسافة بعيدة، وهذا يجعلنا نتعب كثيرا ولا نستمتع بالرحلة، وآخر يقول: العقبة مزدحمة في مثل هذه الأيام، وهذا يسبب لي الصداع، وغير ذلك من وجهات نظر، وليس بالضرورة أن تكون كلها صحيحة، ولكنها تعطي الوالد مؤشرا عن قبول الأسرة لاقتراحه أو رفضهم له، وهذا يعني أنهم لو وافقوه سيتعاونون معه كما أنهم سيكونون سعداء باقتراحه لو طبّق، أما لو أنهم كتموا آراءهم بسبب عدم وجود هامش من الحريّة يسعهم فيه أن يبدوا آراءهم، سينفّذ الاقتراح بحزنٍ وألمٍ ودون تعاون منهم.

 

العجيب أن في الأزمان الماضية كان الناس يدفعون المال ليشتروا الحرية، وينتقلوا من كونهم عبيدا ليصبحوا أحرارا، أما في زماننا، زمن التقدم والحضارة والرُّقي، نرى من يطلبُ المال ليصبح عبدًا، يبيع حريّته مقابل دراهم معدودة، ويقبل أن يكون عبدًا لمن يدفع أكثر، وكأنّ حريّته سلعة تُباع وتُشرى.

 

لا يمكن للأسر أو المجتمعات أو الدّول أن تتطور أو تتقدّم دون الحرية، ولست أقصد –هنا- الحريّة المطلقة غير المنظّمة أو المنضبطة، بل لا بدّ من بيان حدودها بعد وجودها، وإلا انقلب المجتمع إلى إباحية وانفلات، فيصير البشر كالحيوانات في الغابة، يعتدي أحدهم على الآخر باسم الحرية، وهذا لا يقول به عاقل، إنما نتحدّث عن الحرية المنضبطة التي تبني ولا تهدم، وترفع من الأداء السياسي والاقتصادي والفكري للأفراد والدولة، وتكون كالوقود الدافع نحو التطور والتّقدّم.

 

(الدستور الأردنية)