موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ مايو / أيار ٢٠٢٠

التعلم عن بعد: تقييم التجربة!

موفق ملكاوي

موفق ملكاوي

موفق ملكاوي :

 

توجهت الحكومة إلى عملية «التعلم عن بعد» مرغمة بعد أن داهم وباء كورونا العالم، وكإجراء احتياطي قامت بتعطيل المدارس والجامعات، ومنحت الفرصة لتجربة التعلم عن بعد.

 

الآن، وبعد أكثر من شهرين على بدء التجربة، وبعد انتهاء الفصل الثاني، لا بد من أن تخضع العملية برمتها إلى تقييم حقيقي، يأخذ في اعتباره الجدية في هذه العملية، إضافة إلى الشمولية والعدالة.

 

بحكم الحظر المتزامن مع انتهاج المدارس والجامعات للتعليم عن بعد، تابعت دراسة أبنائي، وهم طالب في السنة الجامعية الثانية، وطالبة ثانوية عامة (توجيهي)، وطالب في السادس الابتدائي.. وأستطيع أن أقول بكل تأكيد إن ما رأيته كان محبطا ومخيبا للآمال!

 

عدم الالتزام كان السمة الرئيسية للمعلمين والإدارات، فالطلبة المنتظمون كانوا آخر أولويات المعلمين الذين أرادوا على الدوام جذب طلبة آخرين إلى دروسهم و«مكثفاتهم» من أجل مزيد من الأرباح، حتى أنهم وجهوا طلبتهم إلى شراء تلك المكثفات، متناسين مسؤوليتهم الأخلاقية عن التدريس.

 

التواصل مع المعلم واحدة من الأمنيات المستحيلة التي تظل عصية على التحقيق، ليظل الطالب في كثير من الأحيان بلا أي ردود على أسئلته الكثيرة، وحين يتم هذا التواصل المعجزة، «يترفع» المعلم عن الإجابة، و»يوجه» الطالب إلى شراء واحد من مكثفاته التي تقدم شرحا وافيا لعبقرية المعلم الذي لم يقم بواجبه خلال الدروس الشرعية.

 

رسائل الواتس آب كانت بديلا مريحا للدروس، في حال رد المعلم، إما عن طريق «الرسائل الصوتية» أو «الورق المصور»، وبعده فليذهب الطالب هو وربه ليحاربا.

 

الأمر المؤسف، أن اختبارات الشهرين لم يتم تصحيحها في كثير من المدارس، وبذلك لم يستطع الطلبة تقييم أنفسهم استنادا إلى ما قدموه في تلك الاختبارات، وهو خلل واضح تأتى من «بركات» التعلم عن بعد.

 

على المستوى الجامعي، كانت فترة منتصف الليل هي الفترة المفضلة عند الأكاديميين ليفيضوا بـ»عبقريتهم» على طلبتهم، أما المحاضرات فكانت أشبه بالقراءة من كتاب، وبعيدة عن أي تفاعل يمكن أن يؤسس لاشتباك حقيقي بين المحاضر وطلبته، أو بين الطلبة أنفسهم. أما الامتحانات، فقد كان يتم تعيين وقتها وطبيعتها بشكل ارتجالي، وتصحيحها كان لا يخضع للحد الأدنى من الجدية والعدالة.

 

ملاحظات كثيرة تأتت لي من خلال متابعتي لدراسة أبنائي، وأجزم أن كثيرا من الأهالي سجلوا مثل هذه الملاحظات وغيرها. لكن الأمر الآخر المهم الذي لا بد تتم دراسته هو موضوع العدالة في المجتمعات الأقل رعاية، والتي عجزت الدولة عن تأمينه بالحد الأدنى من اشتراطات البنية التحتية للتعلم عن بعد، بسبب الفشل في توزيع مكاسب التنمية.

 

استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الذي أجري مطلع نيسان (أبريل) الماضي حول عملية التعلم عن بعد، أظهر أن 80 % من المستجيبين المتابعين لمنصة التعليم الإلكتروني والقنوات التلفزيونية التعليمية يؤكدون أن هذه المنصات ليست بجودة التعليم المدرسي.

 

ورغم ذلك، لم يشتمل الاستطلاع على النسبة الحقيقية للذين يتابعون هذه المنصات والقنوات، فالاستطلاع تم تنفيذه عبر الإنترنت، ونحن نعلم الحال التي تعاني منها الأطراف، ونجزم أن كثيرا من المجتمعات لم تكن ممثلة في هذا الاستطلاع.

 

عن الشمولية والعدالة، يبقى السؤال مشرعا في وجه الحكومة، وهناك سؤال لا يقل أهمية، وهو كيف تدخلت الوزارة (التربية والتعليم، والتعليم العالي) لضبط جودة هذا النوع من التعليم؟ إنه سؤال المليون كما يقال، خصوصا حين نعلم أن كل منشأة تعليمية وضعت سياساتها وإجراءاتها الخاصة بها لتطبيق التعلم عن بعد، وفي الحقيقة لم نسمع أن الوزارة قامت باستطلاع رأي للاستعلام عن رأي الطلبة في ما تقدمه تلك المنشآت.

 

للذين يتغنّون بتجربة التعلم عن بعد في الأردن، والذين يروّجون اليوم لعام قادم آخر يخضعون فيه أبناءنا لتجاربهم المراهقة، نقول لهم: ما نزال نحبو في هذا المجال، والأخطاء التي تم ارتكابها أكثر بكثير من الفوائد والمحاسن التي تتغنون بها.

 

(الغد)