موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٩ سبتمبر / أيلول ٢٠١٦

الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (مرقس 8: 34–38 ، 9: 1) قال الربُّ مَن اراد ان يتبعَني فليكفُر بنفسهِ ويحمِل صليبَهُ ويتبعني * لانَّ مَن اراد ان يخلصَ نفسَهُ يـُهلكها ومَن اهلك نفسهُ من اجلي ومن اجل الانجيلِ يخلّصها * فاَّنهُ ماذا ينتفع الانسانَ لو ربح العالَمَ كلَّهُ وخسر نفسّهُ * ام ماذا يـُعطي الانسانُ فداء عن نفسهِ * لان مَن يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسق الخاطىء يستحيي بهِ ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيهِ معَ الملائكة القديسين * وقال لهم الحقَّ اقول لكم إنَّ قوماً مِنَ القائمين ههنا لا يذوقونَ الموتَ حتـَّى يرَوا ملكوتَ اللهِ قد اتى بقوَّة. بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين. الصليب المقدس من العلامات التي يعتز بها المؤمن المسيحي، ويتجلى ذلك في حياته اليومية فنراه يرشم علامة الصليب في كل وقت كان، في الأفراح والأحزان والآلام. تهتم الكنيسة الارثوذكسية بالصليب اهتماما عظيما اذ تعيَد الكنيسة المقدسة في الرابع عشر من ايلول من كل عام لرفع وظهور الصليب الذي صلب عليه رب المجد والذي عبره تحقق الخلاص لما بسط الرب يسوع يديه على الصليب. كذلك خصصت الكنيسة له احدين: "الاحد قبل رفع الصليب" و"الاحد بعد رفع الصليب". لذلك الكنيسة الارثوذكسية المقدسة تعتبر عيد رفع الصليب "المحيي" من أكبر أعيادها ولهذا كان يعرض الصليب المقدس على المؤمنين للسجود له قبل العيد بثلاثة ايام، ولم تكتف الكنيسة الارثوذكسية بتعيَده ليوم واحد بل خصصت له يومين آخرين بالسجود للصليب،وهو الاحد الثالث من الصوم الكبير، والاول من شهر آب، دفعا للامراض. الصليب المقدس بحسب الآباء له قوة ثلاثية، الأولى، طرد الخطيئة، الثانية، خروج الأهواء المسببة الخطيئة من داخلنا، الثالثة، مشاهدة المجد الإلهي، ويشرحون ذلك أنه كما اليهود خرجوا من مصر كان عليهم أن يمحوا من داخلهم كل ذكريات العبودية كي يدخلوا أرض الميعاد هكذا أيضاً المسيحيون عليهم أن يبتعدوا عن عالم الخطيئة ثم ينزعون الأهواء والرغبات الجسدية من داخلهم وأخيراً سيصلون لمشاهدة المجد الإلهي. نحن نعتقد أنّ الإيمان نعمة وبركة، وهو كذلك. فالقديس بولس يقول أنّ "الإيمان ليس للجميع" (2 تسا 3: 2)، أي أنّه ليس الجميع قادرون على أن يؤمنوا إيماناً صحيحاً، وإلى الغاية، بالمسيح يسوع المصلوب لأجلهم. ولكن، بالرغم من كون الإيمان نعمة وبركة، فهو بحدّ ذاته صليب علينا أن نحمله. يعود سبب نشؤ عيد رفع الصليب "المحيي" الى اكتشاف الصليب المقدس على يد الملكة القديسة هيلانة والدة الامبراطور القديس قسطنطين وتكريس بناء كنيسة القيامة،ايضا السبب الثاني لعيد رفع الصليب "المحيي" هو ظهور علامة الصليب في السماء مع عبارة "بهذه العلامة ستنتصر" التي ظهرت للامبراطور قسطنطين عندما كان يحارب خصومه والذي انتصر في الحرب، والسبب الثالث هو استرجاع خشبة الصليب من الفرس على يد الامبراطور هرقل حيث رفع الصليب في مكانه الاصلي ليجسد له كل المؤمنين. أول من أشار إلى حادثة اكتشاف خشبة الصليب بواسطة القديسة هيلانة، القديس امبرسيوس أسقف ميلان (339–397م)، وقد ذكرها في إحدى عظاته عن (انتقال ثيوذوسيوس) سنة 395م، وأيضاً نقل قصة اكتشاف خشبة الصليب عن القديس امبرسيوس كل من القديس يوحنا الذهبي الفم (347 -407م)، والقديس يولينوس (353-431م). لكن الأسقف كيرلس الأورشليمي، هو أكثر من استفاض في ذكر اكتشاف خشبة الصليب في عظاته التي ألقاها سنة 348م، وكان يخاطب المؤمنين وهو داخل كنيسة القيامة مشيراً إلى التابوت الموضوع فيه الصليب وكان قد مرّ على اكتشافه ما يقرب 25 سنة، إذ قال في إحدى عظاته: "لقد صلب المسيح حقاً، ونحن إن كنّا ننكر ذلك فهذه الجلجلة تناقضني، التي نحن مجتمعون حولها الآن. وها هي خشبة الصليب أيضاً تناقضني التي وزّع منها على كلّ العالم". لقَبت الكنيسة الصليب بلقب "المحيي" لانه صليب ربنا هو قوة حقيقية للخلاص، هذا هو ايماننا الذي تسلمناه من الرسول الالهي بولس (1 كورنثوس 1: 18). ان عيد رفع الصليب "المحيي" هو عيد الحب الحقيقي، العيد الاكثر اهمية انه احتفال لمحبة الله الفادي لنا. عيد رفع الصليب" المحيي" عيد الحب من خلال الظهور محبة الله في المسيح التي ظهرت بوضوح على خشبة الصليب لذلك الله لم يحبّ الإنسان لأنه ذكي أو غنيّ، الله أحبّ الإنسان لضعفاته وسقطاته، أحبّه لأنه يعرف أن الإنسان بحاجة إلى هذه المحبة ليخلص، المحبة هي وحدها القادرة على تخطي الضعف والسقوط، صليب المسيح وحده أنقذ الخليقة وانتصر على الموت، بصليب انتصر المسيح على مملكة الجحيم، وبه ننتصر نحن على كل ضعف فينا، لننموا إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح. بالصليب ترسم وتبدأ صلواتنا وتنتهي، لذلك لا تنفك الكنيسة الارثوذكسية المفتداة والمرتبطة بصليب النور والخلاص تذكر قي كل صلواتها الليتورجية الصليب على مدار السنة وخاصة يوم الاربعاء والجمعة وفي الايام الاعياد التي تختص بالصليب "المحيي". ولأهمية يوم عيد رفع الصليب "المحيي" الكنيسة تصوم هذا النهار وتصلي بحرارة الى الصليب "المحيي" متذكرة آلام وصلب المسيح وقيامته. الصليب هو العنصر الجوهري في الفداء وله مكانته في حياة من جعل المسيح مثاله وأصل وجوده وحياته. وبعد ان كان الصليب رمزاً للأهانة والعار وآلة للقتل، أصبح في المسيحية رمزاً للخلاص الألهي ووجهاً للتفاؤل والأمل المسيحي. هذه هي قوة الصليب هذا هو النور الذي يشع من الصليب والذي نرمز اليه بمشاعل على رؤوس الجبال في عيد ارتفاع الصليب، ظل الصليب مخفياً حتى اكتشفته القديسة هيلانة. وظل خفياً في قلوب الذين كانوا تحت أثقال الحياة وآلامها. ولكنه سيتجلى فينا بفضل قيامة بدأت فعلها منذ قيامة المسيح. ولن ينتهي هذا الفعل قبل نهاية العالم. هذا ما يقوله لنا القديس بولس في رسالته الثانية الى أهل كورنتوس (5: 1) قد تتهدم خيمتنا الأرضية. ولكن لنا في السماء بيتاً أبدياً لم تصنعه الأيدي. قد يشتد الضيق الحاضر ولكنه يهيئ لنا مجداً أبدياً لا حد له. قد نجبر على المرور في الألم والموت، ولكن المسيح انتصر فينا وهو يهيئ لنا الغلبة لأنه أحبنا.