موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٠ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠

احتفال الأرمن بعيد الميلاد المجيد

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

تتكرّر مراسيم الاحتفال بعيد ميلاد السيّد المسيح في الأرض المقدّسة ثلاث مرّات، في هذا الحيّز الجغرافي الصغير ، بسبب تنوّع الفئات المسيحيّة واتّباع تقاويم مختلفة. بدايةً يُحتفل بالعيد المجيد في 25 ديسمبر تزامنًا مع احتفاله في أوروبا والولايات المتّحدة وأستراليا، حسب تقويم الكنيسة الكاثوليكيّة الغريغوريّ (نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر). ومرّة ثانية في 7 يناير في اليونان وروسيا وأرمينيا، وفقًا لتقويم الكنيسة الأرثوذكسيّة اليولياني. وانتهاءً بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الأرمني. حافظت الكنيسة الأرمنيّة في المدينة المقدّسة على التقويم الأرمني القديم لذلك يحتفل الأرمن الأرثوذكس في القدس وبيت لحم وسائر الأرض المقدّسة بعيدي الميلاد المجيد والغطاس في 19 يناير من كلّ عام ... فتسود بهجة العيد مرّة أخرى وفرحته، بينما يحتفل الأرمن بالعيد في جمهورية أرمينيا وسائر أنحاء العالم قبل ذلك التاريخ حسب التقويم الغريغوري أو اليولياني. مملكة أرمينيا هي أوّل دولة قبلت المسيح عام 301 م في عهد الملك تيريداتس الثالث وزوجته الملكة أشخين. وصل الأرمن الى المدينة المقدّسة سنة 95 قبل الميلاد، في عهد الملك الأرمني ديكران الثاني الكبير (الّذي دام حكمه من 95 الى 55 قبل الميلاد) ، وامتدّت فتوحات امبراطوريّته إلى جبال القوقاس والفرات وحوض البحر المتوسط أي بلاد أشور وأنطاكيا وصولاً إلى فلسطين، لذلك لُقّب بديكران الكبيرDikran le Grand ، وشيّد ضمن مشاريعه العمرانيّة مدينة كبيرة سمّاها "ديكراناكيرت" نسبة إلى اسمه، وما زالت قلاعها تشهد لعظمته وقوّته ، وصكّ نقودًا من ذهب موجودة في المتاحف. تذكر الوثائق التاريخيّة في ملفّات البطريركية الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في القدس (البلدة القديمة) أنّه في عام 154م انهمك مطارنة الأرمن مع غيرهم من المطارنة المتواجدين في المدينة المقدّسة والإسكندرية، انهمكوا في تحديد الأماكن المقدّسة التي لها صلة مباشرة بحياة السيّد المسيح ، وفي تشييد المباني الضخمة للحفاظ على كنوز المسيحيّة الأولى. ومن أهمّ معالم الحيّ الأرمني دير مار يعقوب وفيه أوّل كنيسة شيدت في التاريخ الكنسي، ودار البطريركية، ومدرسة اكليريكية للّاهوت، ومطبعة ومكتبة تشمل آلاف المخطوطات النادرة. وكان مار يعقوب أوّل مطران في تاريخ الكنيسة وهو من تلاميذ السيّد المسيح وأحد أقربائه. ومع أنّ احتفال الأرمن بعيد الميلاد المجيد في بيت لحم وسائر مناطق الأرض المقدّسة مُلفت للنظر والاهتمام، الاّ أنّه يتكاثر توافد حجّاج الأرمن إلى الديار المقدّسة في عيد القيامة السيّديّة ، ربّما لأنّهم يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في بلادهم قبل الاحتفال به في الأراضي المقدّسة. وأمّا تاريخ حارة الأرمن في البلدة القديمة فيعود إلى القرن الرابع الميلاديّ. وتشكّل حارة الأرمن سدس مساحة هذه البلدة وتتمتّع بموقع جغرافي مميّز، وهي أشبه ما تكون بدُويلة صغيرة صمدت طوال قرون ولم تهزّها رياح السياسات والصراعات المستمرّة . ولعب الأرمن دورًا بارزًا في النواحي الثقافيّة والاجتماعيّة والمهنيّة والسياسيّة، مع أنّه يتمّ تجاهلهم غالبًا. وعمومًا صدرت في الماضي أوامر عليا كثيرة لصالح الأرمن، لتدعيم وتقوية مركز البطريركيّة الأرمنية، واحتُرمت هذه العهود، وحافظت البطريركية على مرّ العصور والأجيال- برئاسة بطاركة أكفّاء وموهوبين - على العقارات الأرمنية، وحوّلت الحيّ الأرمني في القدس إلى مركز ثقافي هام للأبحاث يخدم الأرمن وطلاّب العلوم من غير الأرمن حتى يومنا هذا. أما المرسوم الأخير والأهمّ، فقد أصدره السلطان العثماني عبد المجيد عام 1852م على شكل بيان كتابي، أعلن فيه مبادئ ال "ستاتوكو" status quo، أي الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة، الّذي تمّ فيه تحديد وتنظيم وصيانة حقوق جميع الفئات الكنسيّة (أي الأرمن الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والكنيسة الكاثوليكيّة) بشكل لا يقبل التغيير. وتشترك هذه الكنائس في تحمّل المسؤولية، ولديها امتياز خاص لكونها حارسة للأماكن المقدّسة في كنيسة القيامة، وبستان الجسمانية، وقبر سيّدتنا مريم العذراء، وكنيسة المهد في بيت لحم، وأماكن أخرى. واجهت البطريركية الأرمنية مصاعب عديدة خلال القرن العشرين، فإليها لجأت في أثناء وأعقاب الحرب العالميّة الأولى العائلات الأرمنيّة التي نجت من المجازر التي تعرّضت لها على يد العثمانيين، واحتضنت كنيسة مار يعقوب ورهبانها الآلاف من اللاجئين والأيتام المشرّدين. خاتمة تتزيّن الأراضي المقدّسة استعدادًا لعيد الميلاد السيّدي ثلاث مرّات في أقلّ من شهر. وقد تختلط مواقيت العيد بسبب التقاويم المختلفة ولكن تبقى الفئات متّفقة بالإجماع على قدسيّة المولود والميلاد، ولو سألنا الطفل الوليد لأجاب: "كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد..." (1 كور 1 : 10). ومن أقوال السيّد المسيح في الإنجيل المقدّس "الحرف يقتل أمّا الروح فيُحيي" (2 كور : 3-6) . في رأيي المتواضع: التقاويم تُفرّق أمّا الروح فيجمع ويُوحّد ويُحيي ! أكرّر التهنئة الميلادية الأرمنية: "وُلد المسيح لنا وظهر– والجواب: لكم ولنا بشرى عظيمة". وكلّ عام وجميع القرّاء الكرام بخير!