موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٣

أَئِنْتَفَتْ لغةُ المحبَّةِ مِنْ عَالَمِنا؟!

القس سامر عازر

القس سامر عازر

القس سامر عازر :

 

 يبدو أن لغة المحبة هي اللغة التي وجبَ أن يقومَ عليها الكون كلَّه، فهي-أي المحبة- حجر الأساس وحجر الزاوية في بناء عالمنا البشري. فالحديث هنا عن المحبة ليس فقط من جانب ديني ووصية إلهية فحسب بل أيضاً من بُعدْ إجتماعي وعلاقاتي وتعاملي وسياسي.

 

صحيح أن السياسة هي فنُّ الممكن، وفيها دهاء لتحقيق مصالح الدول ومصالح الأفراد صوناً وحفاظا على مكتسباتهم وإمتيازاتهم ومناصهم، ولكن، إن تجرّدت حتى السياسة من مفهوم المحبة ولو بأدنى مستوياتها سوف تتحول أداةٍ للبطش والتنكيل والإستعمار الإحتلال، لأنها لا تعود ترى الآخرين إلا عبيداً لها وموظفين عندها، وأما خيراتهم فهي من حقها وواجب الإستيلاء عليها. لذلك، فالمحبة في عالم السياسة تؤول إلى أنسنتها، أي إلى إعطائها طابع الإنسانية بمراعاةِ أن عالمنا ليس مجرد أرقام وأدوات، بل يقوم على البناء البشري، فالإنسان هو أسمى الكنائنات الحيّة، ومن حقّه أن يُحِّبَ وأن يُحَّب، ومن حقه أن ينعم بجو تسود فيه علاقات المحبة النقية الصافية والمصداقية والوفاء والإخلاص والأمانة، فهل عالمنا اليوم كذلك، أم أن لغة المحبة قد انتقفت من عالمنا كدول وكأفراد وكمؤسسات؟

 

إنّ أهم رسالة تحملها لنا الأديان السماوية السمحة هي التحلّي بروح المحبة، محبة الله ومحبة القريب، فلا يجب أن تسقط المحبة أبدا من حياتنا ومن حساباتنا، لأن من يزرع بالشح بالشح يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات يحصد، فمن يزرع حباً يحصد حباً، ويقابله الناس بأضعاف مضاعفة «كيلا جيدا ملبدا مهزوزاً فائضاً يعطون في أحضانكم»، ولكن من يزرع دماراً وإنتقاما وسفك دماء وكراهية وحرمان الآخرين من حقهم في الحياة الكريمة النبيلة الكريمة فلن يحصد إلا عُزلة وزوالَ شرعيةٍ وفقدانَ قيمه الأخلاقية في نظر الكثيرين.

 

لربما، مع اقترابنا من نهاية العام الحالي 2023 وقرب حلول عيد المحبة والسلام، نجدُ لزاماً علينا إعلاء لغة الحوار والتفاهم على قاعدة أنْ ما تحبَّهُ لنفسك أحببه لغيرك، فلا تحب لغيرك ما لا تحبه لنفسك. فأخطر ما يهدد عالمنا هو الكراهية والإنتقام، ولا علاج لذلك إلا بأن يسود مكانهما لغة المحبة النابعة من جوهر الذات الإلهية في إحترام الشرائع الإلهية والتقيد بها والعيش بموجبها، فمهما كبرَ الإنسان فالله أَكبَر ومهما تجبّر فالله صاحب الجبروت، ومهما علا فالله في العلى أقدر.

 

لذلك، لا يجب أن تتجرد حتى السياسة من لغةٍ هي الأساسُ التي يقوم عليها البناءُ الإنسانيُ كلُّه، وما سوف يحاسبنا الله عليه هو: كم امتلأ قلبُنا من تلك المحبة، فامتنعنا عن الإساءة لأنفسنا ولغيرنا.

 

لنتذكر، أن العالم الذي لا يعرف المحبة هو عدو للإنسانية ولقيمها ومبادئها.

 

(الدستور الأردنية)