موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

أفراح القيامة في زمن كورونا

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
أفراح القيامة في زمن فيروس كورونا

أفراح القيامة في زمن فيروس كورونا

 

نعيش في هذا العام من القرن الواحد والعشرين خبرة جديدة من نوعها تختلف كل الاختلاف عن الأيام الماضية. هي خبرة جديدة على المجتمع، سوف يشهد لها التاريخ، وهي أيضًا خبرة جديدة على الكنيسة. فبسبب الوباء المنتشر على مستوى العالم، جعلت السلطات الدينية والمدنية أن تصدر عدة قرارات حرصًا وخوفًا على الشعب والإنسان. وكما يقول قداسة البابا فرنسيس "لا تخافوا كلنا في موكب واحد"، ونشارك في البيت المشترك أي أمنا الأرض. ولكن ليس غريب على الكنيسة، بل تذكرنا زمن الكنيسة الأولى المجتمعة فى العلية خوفًا من اليهود، وزمن الاضطهادات في العصر الروماني والعصور المتتالية.

 

في هذه الفترة جلبت للشعب قوة صلاة، وقوة إيمان وتأمل في كلمة الله والثبات بها والشهادة لها.

 

شكرًا لفيروس كورونا لأنه سمح لنا أن نختبر قوة ايماننا وعلاقتنا مع الله، واتحادنا مع الطبيعة واتحادنا بالإخوة الإنسانية. فخلال هذه الأوقات توقفت الحروب والعنف، وتسعى البشرية إلى انقاذ الإنسان من الوباء، وعملت على اتحاد الأسرة. يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني: بما أنّ العائلة هي خليّة المجتمع الأولى والحيّة التي تساهم في تطوير المجتمع، فهي المكان الذي يولد فيه المواطنون، وهي أوّل مدرسة للفضائل الاجتماعية، ولها يعود الدور المسؤول في تطوير المجتمع. وعلى الأسرة أن تكون مترابطة بفكر واحد".

 

أسباب الفرح القيامة

 

قبل الاحتفال بعيد القيامة علينا أن نسير في طريق نحو الجلجثة لكي ندفن خطايانا تحت اقدام الصليب لكي نقوم معه.

 

1- الرجوع إلى الذات على مثال الابن الضال (لوقا 15) "ورجعه إلى نفسه". في هذه الفترة كانت فرصة أن نسمع صوت الله ونقوم بعمل توبة داخلية ونصبح إنسانًا جديدًا مع المسيح القائم من بين الأموات. يقول قداسة البابا فرنسيس في عظته بعيد القيامة 2020: "لقد دحرج الحجر عن باب القبر، وبالتالي يمكنه أن يزيح الصخور التي تُغلق قلوبنا". لتقف الحروب وبيع الأسلحة لتقف حياة الإجهاض ونحمل بشارة الرجاء للآخرين.

 

2- سماع كلمة الله والتأمل به في الصمت والهدوء على مثال إيليا النبي عندما ترك الشر وخرج على الجبل وهناك سمع صوت الله في نسيم عليل (1مل 19). "يقول مالك ههنا يا إيليا" نعم أنا هنا لكي اتحد معك من داخل بيتي، كما اتحد معك إيليا من داخل المغارة. يا رب أطلب منك أن تنقذنا من شهواتنا وضعفنا، اجعل بيوتنا عليةً لكي نتحد بك.

 

3- معايشة خبرة الكنيسة الأولى في التضامن الإنساني وعمل خدمات الإنسانية خاصة لكنيسة أورشليم. اليوم الكنيسة وكل إنسان لديه القدرة على ممارسة هذه الخبرة الحياتية والإنسانية في المجتمع والكنيسة، ومن هنا نستطيع أن نعيش خبرة الخير العام والمشترك.

 

4- الكنيسة البيتية (الكنيسة التي في بيتك). يقول القديس بولس في رسالته إلى فليمون: "إلى الكنيسة التي في بيتك" (فل 1: 2). وهذا الأمر يعيدنا إلى تاريخ الكنيسة الأولى، المجتمعة في العلية والأبواب مغلقة على التلاميذ خوفًا من اليهود، ولكن بعد ظهور المسيح لهم بعد القيامة انطلقوا للبشارة بروح واحدة: "وكانت جماعة المؤمنين قلبًا واحدًا ورُوحًا واحدة". في هذه الأيام نعيش نفس الخبرة التي عاشتها الكنيسة الأولى.

 

يقدّم لنا القديس يوحنا بولس الثاني فى رسالته (الأسرة): العائلة تشارك في حياة الكنيسة ورسالتها، فهي تؤمن وتنشر الإنجيل. تقيم الحوار مع الله، وتقوم بخدمة الناس. هي "كنيسة بيتيّة صغرى". فعلى مثال الكنيسة الكبرى تبشّر بالإنجيل وتواصل التربية على الإيمان. إنّ العائلة هي المدرسة الأولى للحياة والإيمان، مدعوّة لتربية الأجيال الجديدة على القيم الإنسانيّة والمسيحيّة.

 

5- نعيش خبرة شعب بني إسرائيل بالاحتفال بالفصح، عندما كانوا يجتمعون للاحتفال بالفصح كان رب البيت يحكي قصة عمل الله معهم في خروجهم من ارض مصر. والتأمل في كلمة الله وأعماله العجيبة التي صنعت لأجلهم. ونحن اليوم نتأمل في عمل الله لنا، وعلى كل رب أسرة أن يعلن لأفراد عائلته عن عمل الله ومسيرة خلاصه لهم.

 

خليقة جديدة

 

(نسعى إلى تحقيق البيت المشترك). في الخليقة الجديدة لا يكون في خوف. يقول البابا فرنسيس في عظته بعيد القيامة عام 2020: "لا تخافوا، لا تستسلموا للخوف. هذه هي رسالة الأمل. إنها موجهة إلينا اليوم. هذه هي الكلمات التي يكررها الرب لنا في هذه الليلة".

 

- إنسان جديد له علاقه قوية مع الله، وليس كما كان في الماضي يهتمّ بأمور هذا العالم. نحمل طاقة إيمانية بالله نحملها للآخرين في الأيام  المقبلة. وبناءً على الوثيقة الإخوة الإنسانية تقول لنا: إننا نؤكد أيضًا على أهمية إيقاظ الحس الديني والحاجة لبعثه مجددًا في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق التربية الصحيحة والتنشئة السليمة والتحلي بالأخلاق والتمسك بالتعاليم القويمة لمواجهة النزعات الفردية والانانية والتطرف والتعصب الأعمى بكل أشكاله وصوره.

 

- إنسان جديد يعيش بالحب والغفران والتسامح ومساعدة الآخرين.

 

- القيامة هي حياة جديدة، وهي تعلن على مر العصور أن الجنس البشري قد أصبح في حاله قيامة ورجاء، وينبغي عليه أن يسعى دائمًا إلى العيش في هذه الحياة الجديدة.

 

- إنسان جديد لأن يسوع دخل إلى قلوبنا اليوم، وقلوبنا هي هيكل الله، وطرد كل ما  في داخل الإنسان من أشياء مدمرة لحياته وعلاقته مع الله والآخرين.

 

- فرح القيامة هو المشاركة في كافة الخدمات الإنسانية التي يقوم بها كل انسان لكي يعيش معنى الإنسانية، يقول لنا القديس إيريناوس ق2 (مجد الله هو في الإنسان الحي).

 

- في قديم الزمان، طرح الله سؤال في سفر التكوين: "فقال الربّ لقايين أين هابيل أخوك؟ فقال لا أعرف أحارسٌ أنا لأخي. فقال له الربّ ماذا فعلت؟ دمُ أخيك يصرخ إليَّ من الأرض" (تك 4: 9). نستطيع اليوم الإجابة على هذا السؤال بالعمل الإنساني، من خلال اشتراك كلّ البشرية في هدف واحد هو انقاذ الإنسان من الوباء. واشتراك البشرية في عمل الخير، وتقديم المساعدات بين الدول، وبالتالي نعلن عن أرض جديدة وحياة جديدة تحمل معنى قيمة الإنسانية.

 

- تقول لنا الوثيقة الإخوة الإنسانية: لتكن وثيقتُنا شِهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذي يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسانِ؛ لتكن رمزًا للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّين.

 

- إنسان جديد لأن الألم والموت ليس هما الكلمة الأخيرة، بل القيامة. فتشجعوا ولا تخافوا، إنّ الله يدعوكم كما دعا الأعمى قائلا: "قم". نعم إنه يدعونا. ومع كلمات القديس فرنسيس، فلنبدأ من جديد بفرح القيامة والحياة الجديدة.