موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

أزمة كورونا.. تحديات وفرص

المحامية نسرين زريقات

المحامية نسرين زريقات

المحامية نسرين زريقات :

 

منذ ان غزت كورونا عالمنا والظروف الاستثنائية التي واجهتنا والتي كشفت لنا هشاشة الكثير من برامج الحماية الاجتماعية والقانونية والصحية للعديد من الفئات والقطاعات وقد مست الاجراءات التي ترافقت والجهود الحكومية بتحديات لاتقل خطورة عن خطر وتهديدات الجائحة الصحية ناهيك عن مساس تلك الاجراءات بالعديد من الحقوق والحريات الاساسية والتي قد لاتكون وللحقيقة بسبب الجائحة فقط لان معظم التقارير الحقوقية المنشورة تشير الى تحديات وانتهاكات لحقوق الانسان في العديد من الحقوق سابقة للجائحة. إلا أنها أي الجائحة وللاسف الشديد اكدت المؤكد بأننا اليوم امام تحديات مواجهة اثارها على حقوق الانسان. ومما لا شك فيه فأنها ساهمت في زيادة التهديدات على العديد من الحقوق والفئات وعلى رأسها الحقوق الاقتصادية والعديد من الحقوق المدنية والسياسية وحقوق الفئات الاكثر عرضة للانتهاك.

 

ونظراً لتأثير هذه الجائحة والتي عرت الكثير من الانظمة المالية والاقتصادية وبرامج وخطط الاستدامة والتنمية وغيرها والتي هددت الحقوق والحريات الاساسية وإعادة ترتيب الحقوق فقد استدعى هذا الامر جميع النشطاء والمختصين لخوض نقاشات واقامة ندوات عبر تقنيات الكترونية حديثة سواء لمناقشة تلك التهديدات او للبحث عن افضل السبل لتلافيها وتحسين اوضاع حقوق الإنسان.

 

ومما لاشك فيه ايضا ان الجائحة فاقمت بشكل كبير من الازمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وكانت اثارها على حقوق الانسان بشكل كبير وذلك وفق تقارير الكثير من المراكز الحقوقية والبحثية وبالرغم من السياسات الحكومية والتي اتخذت الا ان هناك العديد وفق تلك التقارير والتي تؤكد عدم نجاعة العديد من تلك السياسات وخاصة في الجانب الاقتصادي المتعلق بحقوق العمال وعمال المياومة بشكل خاص وقد تبين خلال الجائحة مما لا يدع مجالا للشك ان الوصول لهذه الشريحة لدعمها كان ليس سهلا لان العديد منهم غير مسجلين في صناديق الضمان الاجتماعي كما ان حقوق العاملين في العديد من القطاعات الصناعية والتجارية وغيرها واجهت ايضا تحديات حقيقية وانها لم تفلح اي السياسات الحكومية في حماية حقوق العديد من تلك الفئات وضمان سلامة واستدامة عملها ولم تساهم سياساتها التي انتهجت في تحريك عجلة الإنتاج لمواجهة آثار تلك الأزمة وصياغة عقد اجتماعي جديد في إطار السياسات الاقتصادية وحماية حقوق تلك الفئات.

 

وإلى جانب الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة كانت هناك سلسلة من الأزمات الاجتماعية والمدنية والسياسية والنتائج التي طالت العديد من الفئات وعلى رأسها المرأة والطفل وحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة وكبار السن وذلك على صعيد السياسات والممارسات وحالات العنف التي وقعت و في ضوء التهديدات التي طالت تلك الفئات والتعطيل الكلي أو الجزئي الذي طال منظومة الحماية الاجتماعية والذي تؤكده العديد من التقارير الصادرة خلال الجائحة، الأمر الذي يستدعي معه اجراء مراجعة لكافة الاستراتيجيات وخطط الاستجابة لبرامج الحماية الاجتماعية بشكل عام.

 

ومن المهم أن لا ننسى أيضاً التعطيل شبه الكلي لمرفق العدالة منذ بداية الأزمة والذي نتج عنه تعطيل المحاكمات والتقاضي وامكانية الوصول للعدالة ناهيك عن محدودية توفير ضمانات المحاكمة العادلة وخاصة لمن خالفوا مضامين اوامر الدفاع في توكيل المحامين وتعطيل المحاكمات للموقوفين على ذمة القضايا في مراكز الاصلاح والتأهيل، كما وجدنا أن قطاع المحامين من الجهات الأكثر تضرراً، حيث واجه هذا القطاع أزمة حقيقية بعد أن تعطلت أعماله في معظمها ولم نلمس خطة استجابة حقيقية لتشغيل مرفق العدالة بكل مكوناته ناهيك عن عدم توفير البيئة المناسبة لتفعيل بدائل التقاضي عن بعد أو بأقل تقدير فتح جزئي للمحاكم خلال الازمة للبت في القضايا المستعجلة أو لغايات الحصول على مستحقاتهم المالية.

 

وبقيت حقوق الانسان عرضة للانتهاك في العديد من المجالات وخاصة في مجال الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والتقييدات التي طرأت على عمل الاعلاميين بسبب الجائحة سواء بالتنقل او بالحصول على المعلومات او غيرها، ولمسنا التعدي غير المقبول على حقوق الاشخاص خلال الأزمة بانتهاك حقهم باحترام خصوصيتهم وخاصة للمصابين وغيرهم الامر الذي يستدعي معه ضرورة تجريم ذلك بنصوص قانونية.

 

وفي النهاية وحتى نقف على جميع التحديات التي طالت حقوق الإنسان التي ذكرت وكذلك للوقوف أيضاً على بعض النجاحات والجهود الحكومية في بعض المجالات وخاصة في المجال الصحي والمجال الامني وغيره ضمن اطار مواجهة جائحة كورونا، فلا بد من اجراء تقييم حقيقي لجميع السياسات الحكومية واثرها على حقوق الانسان خلال الازمة لاعادة ترتيب اولويات حقوق الانسان وبما فيها الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الانسان في اطار واقعي مع الأخذ بالأولويات الجديدة القديمة والاستفادة من التجارب التي خلقتها جائحة كورونا والبناء عليها وخاصة في مجال التعليم عن بعد واهمية التهيئة وخلق بيئة مناسبة للتقاضي عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة والاستثمار في قطاع الصحة وضرورة ايجاد سياسات لردم الفجوة في مجال العدالة الاجتماعية وخلق فرص عمل جديدة ومعالجة حقيقية لقضايا العنف بكافة اشكاله وخاصة العنف ضد المرأة والطفل، وإيجاد حلول وخطط واقعية لمشكلة البطالة بالتركيز على البدائل في مجال الإنتاج والاستهلاك.

 

(الرأي)