موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢١ فبراير / شباط ٢٠٢٠

أحد مرفع اللحم

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
تعالوا إليّ يا مباركيّ أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم

تعالوا إليّ يا مباركيّ أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم

 

فصل شريف من بشارة القديس متى

(متى 25: 31–46)

 

قال الربُّ متى جاء ابن البشر في مجدهِ وجميعَ الملائكة القديسين معهُ فحينئذٍ يجلس على عرش مجدهِ * وتُجمَع اليهِ كلُّ الأُمم فيميّزَ بعضَهم من بعضٍ كما يميّزُ الراعي الخرافَ من   الجداء * ويُقيم الخرافَ عن يمينهِ والجداء عن يسارهِ * حينئذٍ يقولُ الُملكَ للذينَ عن يمينهِ تعاَلوُا يا مباركي ابي رِثوا المُلكَ الُمعَدَّ لكم منذ انشاء العاَلم * لانّي جُعتُ فأَطعمتموني وعطِشت فسقيتموني وكنتُ غريبًا فآويتموني * وعُريانًا فكسَوْتموني ومريضًا فَعُدتموني ومحبوسًا فأَتيتم  اليَّ . حينئذٍ يجُيبهُ الصديقون قائلين يا ربُّ متى رأَيناك جائعًا فأَطعمناك او عطشانَ فسقيناك * ومتى رأَيناك غريبًا فآويناك او عُريانًا فكسوناك * ومتى رأَيناك مريضًا او محبوسًا فأَتينا اليك * فيُجيب الملك ويقول لهم الحقُّ اقول لكم بما انَّـكم فَعَلتم ذلك بأحد اخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموهُ * حينئذٍ يقول ايضًا للذين عن يسارهِ اذهبوا عنّي يا ملاعينُ الى النار الابديَّة الُمعَدَّةِ لإبليسَ وملائـِكتَهِ * لانّي جُعت فلم تُطعِموني وعطشت فلم تَسقوني * وكنت غريبًا فلم تُؤووني وعُريانًا فلم تـَكسوني ومريضًا ومحبوسًا فلم تَزوروني * حينئذٍ يجُيبونهُ هم ايضًا قائلين يا ربُّ متى رأَيناك جائعًا او عطشانَ او غريبًا او عُريانًا او مريضًا او محبوسًا ولم نَخدِمكَ * حينئذٍ يجُيبهم قائلاً الحقَّ اقول لكم بما اَّنـكم لم تفعلوا ذلك بأَحد هؤُلاء الصغار فبي لم تفعلوهُ * فيذهب هؤُلاء الى العذابِ الابديّ والصدّيقون الى الحياة الابديَّة .

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

أيها الأحباء: يسمى أحد مرفع اللحم لأننا به نتوقف نهائياً عن أكل اللحم استعداداً منا لموسم الصيام وضبطاً للنفس على إيقاع أنغام الجهاد الكبير المنتظر  ويسمى هذا الأحد بأحد الدينونة.

 

 يكشف لنا إنجيل اليوم هذا الكسب، هذا المربح أو الجائزة التي سنحصل عليها عندما نبدأ بمحاسبة أنفسنا. ويكشف لنا أيضاً النقاط التي على أساسها سنحاسب أنفسنا. لأنه يوجد في هذا الإنجيل فصل بين اليمين واليسار، بين الجداء والخراف. هذا الفصل إستخدم بلغة معينة فالذي ينتبه أو يتفحص جيداً الكلمات المستخدمة يرى أن هذه الصورة أي صورة المحاكمة وكأنها حاصلة أمامه. وإذا كان لديه الإيمان الكافي لا له وأن يشعر بهذه الهزة أو الرهبة التي غالباً ما ينساها في مسير حياته اليومية.بعض الاوقات،عندما يصيبنا مكروه في عائلتنا، نهتز. فحبذا لو هذه الصورة أي صورة الدينونة، التي أوضحها الكثير من الأنبياء إن كان في العهد القديم أو الجديد، نصب أعيننا. حتى القديسين أوضحوا هذه الصورة مثل القديس افرام السرياني ،فهو كان يذكر الإنسان دائما بيوم الدينونة أي ذلك اليوم الذي ستمثل فيه امام خالق الكون في يوم من الايام. وسف تستعرض امامه أو يُستعرض امامك كل أعمالك.”كل يدان حسب أعماله “.

 

هنا بعض النقاط الملفتة للنظر. يوجد العديد من الصور التي يُمثل بها الإنسان في الكتاب المقدس، هنا مثلاً يشبه المسيح الإنسان بالجداء والخراف.يمكننا  ايضاًأن نستعمل كلمتان شبه مرادفتان فبدل الخراف يمكن أننقول الحمل وبدل الجداء نقول، كلمة مستعملة في الكتاب المقدس، الوحش. فالناس منذ خلقهم حتى نهاية العالم سوف يجتمعون امام الرب في يوم الدينونة. الذين ماتوا والذين سيعيشون سوف يمثولون امامالمنبر الإلهي. وسوف يظهر من هو الحمل ومن هو على صورة الجداء أو الوحش.

 

هنا الرب وضع الصدّيقين عن اليمين وقال لهم: “تعالوا اليّ يا مباركيّ أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم. لأني كنت جائعاً فأطعمتموني، كنت عطشاناً فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني…” وبعدها يتوجّه الى الذين عن اليسار أي الذين دعاهم الجداء. الجملة التي تقول “تعالوا إليّ يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم… “هي جملة معبرة جداً لأن الرب، الذي هو الحمل، يسميه سفر الرؤيا الحمل المذبوح منذ إنشاء العالم. يعني نحن كي نفهم الإنجيل يجب أن ننطلق من إيماننا، من رؤيتنا، من علاقتنا مع الله.

 

وبينما الناس يكونون مشغولين بالولائم وبالأكل لأنهم يودّعون أكل اللحم، \إنّ القضيّة ليست قضية أكل بل اهتمام بالأخ. والاهتمام ليس محصوراً بحاجاته المادّيّة بل بالدرجة الأولى في عدم تعريضه للتجربة. على المسيحيّ أن لا يمتنع فقط عمّا يراه خطأ، ولكن عمّا يجعل الآخر يتعثّر، أي أن يهتمّ بأن لا يعثِر أحدًا، لأنّه مسؤول عن حياة الآخرين الروحيّ.

 

عندما ترى الناس تنهش لحم بعضها البعض؟ يمكن هذا كلام قد يشمئزّ منه الكثيرون، وقد يسأل البعض: ما معنى هذا الكلام؟  ينهش الإنسان زميله في الإنسانية ونسمع في الإرجاء كلمة محبة . ولكن للأسف الشديد المحبّة ليست في الأقوال فقط، بل في الأفعال. كثيرون لا يتكلمون إلا عن المحبّة، ويتصرّفون بكياسة ، لكنّهم غير مستعدّين للتخلّي عن قشّة، حتّى ولو كانت تُنقذ غريقاً. ما معنى محبّتهم؟ أين هم من قول الرسول بولس: "إن كان أكل اللحم يُعثر أخي فلا آكل إلى الأبد".

 

أعد للصدّيقون الملكوت أي هيأ لهم ميراثاً. وكما يقول الرسول بولس : "ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه."يعني هذا أن الصديق هو على صورة الله المتجسد، يقابله هذا الوحش أي الإنسان نفسه الذي خلقه الله على صورته. لكنه بسبب خطيئته وأنانيته ومحبته لنفسه أصبح وحشاً. وهكذا باتت صورة الخروف صورة وحش، نمروت. ولما تحوّل الى هذا الشكل، خسر الملكوت، خسر الهدية العظيمة التي تنتظره، خسر الفرح العظيم.

 

ما الذي يجعلنا أن نبقى على صورة الخراف وما الذي يجعلنا أن نصبح على صورة الوحش. الوحش في كتاب الرؤيا مرادف للتنين والحمل مرادف للمسيح. كما أن الوحش هو مرادف أيضاً لضد المسيح أو كما يسمى في أمكنة أخرى المسيح الدجّال. فكيف شكله هذا المسيح الدجّال؟ لينظر كل واحد منا الى نفسه عندما يكون شريراً، غضوباً، متكبراً، أنانياً ولا يفكر إلا بنفسه. ألا يكون حينها مثالاً حياً للمسيح الدجّال. أما إذا حافظنا على شيء من الوداعة والمحبة والتواضع ألا نكون بذلك نشبه الحمل أي المسيح.

 

وأخيراً أيها الأحباء : إختبروا الفرح الذي تكسبونه عندما تعطون من محبتكم وليس فقط بالمال فزيارة صغيرة أو تفقد تكسبكم فرح لا مثيل له وهو أكبر بكثير من الكسب المالي ولا قياس بين الإثنين. فتشوا في هذا الصوم المبارك عن المحتاجين إلى تعزية حينئذ يقول لكم الرب، كما قال للخراف الذين عن يمينه، "تعالوا إليّ يا مباركيّ أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ إنشاء العالم".