موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣١ يوليو / تموز ٢٠١٨

يهودية الدولة والعنصرية المشروعة

بقلم :
عامر الحافي - الأردن

أقَرّ الكنيست الإسرائيلي يوم الخميس 19 تموز/يوليو 2018، مشروع قانون “الدولة القوميّة”، أو ما يُعرف بـ”يَهُوديّة الدولة”. وينصُّ هذا القانون على أن “إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، وأن حقَّ تقرير المصير فيها “يخصُّ الشعب اليهوديّ فقط”، والقُدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل. ويُلغِي القانون اعتبار اللغة العربية لغةً رسميَّة ثانية في إسرائيل، ويَعتبر العِبريّة هي اللغة الرسميّة للدولة. لم يُضِف القانون شيئًا جديدًا من حيث المضمون. فقد عرَّفت إسرائيلُ نفسَها بأنها “دولة يهُوديّة”، منذ إعلان الاستقلال الصادر في الرابع عشر من شهر أيار/مايو عام 1948، والذي ذكر “الشعب اليهودي” ثلاث عشرة مرَّة، وذكر “الدولة اليهودية” أربع مرّات، ولم يذكر “الدولة الديمقراطية” إطْلاقًا. نزع هذا القانون غلاف الديمقراطية الزائف عن الدولة الصهيونية، الذي يتغنَّى به السياسيُّون الصهاينة، وأسقط مقولة: إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط! القانون هو محاولة جديدة لتثبيت شرعيّة دولة الاحتلال المأزومة، والعودةِ إلى التسويغات الدينية، في مواجهة المخاوف المتنامية حول مصير دولة إسرائيل. فكثيرون هم الذين يَرَون خطورة النموِّ السكاني للفلسطينيِّين على مصير الدولة الصهيونية، ما دامت الديمقراطية قد كانت هي الأساس في اتِّخاذ القرار. وفي هذا السِّياق يقول عضو الكنيست عن الليكود ” آفي ديختر” والذي اقترح المشروع منذ عام 2011: إن القانون “سيُحبط طموحات الساعِين لإنشاء دولةٍ ثُنائيَّةِ القومية”. يعمِّق القانون سياسات الفصل العنصري، التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين. فهو يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، في دولة تزعم أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط. وهذا يعني أن الفلسطينيين، سواءٌ أَمُسلمين كانوا أم مسيحيِّين، ليس لهم الحقُّ في تقرير مصير الدولة التي يعيشون فيها! يَكمن الخلل في أساس وجود دولة إسرائيل، ويتمثَّل بارتباطها بالمشاريع الاستعمارية، التي هيمنت على المنطقة العربية منذ حملة نابليون بونابرت عام 1798، وانتهاءً بوعد بلفور الذي يمثِّل لحظة الولادة الفعليّة للمشروع الصهيوني في فلسطين. لم يكن هذا القانون مفاجِئًا، أو مُخالفًا للطبيعة العنصرية للدولة الصهيونية. فهو يُضاف إلى مجموعة من القوانين الأساسية العنصرية، التي تشكِّل ما يُشبه الدُّستور، لدولة لا دستور لها. فقد بدأت القوانين العنصرية بالظهور، منذ تأسيس الحركة الصهيونية لدولة إسرائيل عام 1948م، ومن أبرز تلك القوانين: أوّلًا: قانون العودة الذي أُقرَّ في عام 1950، والذي ينصُّ على أن “كلّ يهوديٍّ له الحقُّ في العودة إلى البلاد كيَهُوديّ عائد”. فهو يحثُّ جميع اليهود في العالم على الهجرة إلى فلسطين، ولا يُعطي اللاجئين الفلسطينيِّين الحقَّ في الرجوع إلى بلدهم. ثانيًا: قانون الجنسية الذي أُقرَّ في 1951/11/2. وينصُّ القانون على أن كلَّ يهوديٍّ عائد، يُصبح مواطنًا إسرائيليًّا. ثالثًا: قانون أملاك الغائبين الذي أُقرَّ في 1950/3/20، والذي يَعتبر غائبًا “كلُّ مواطن ترَك مكان إقامته الاعتيادي، إلى خارج فلسطين قبل الأول من أيلول 1948، أو إلى مكان في فلسطين، كان خاضعًا لقوَّات هدفُها منعُ قيام إسرائيل، أو حاربَتها بعد قيامها”. جميع هذه القوانين العنصرية الرسمية، دفعَت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى اعتماد قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية عام 1975، والذي استمرَّ حتى عام 1991، حيث أُلغِيَ بدعوى تشجيع إسرائيل على تحقيق السلام مع الفلسطينيِّين! تبرير قانون “يهوديّة الدولة”، باعتبار الانتماء إلى الديانة اليهودية، وبأن هذه الديانة هي ذات طبيعة “قومية”، هو أمرٌ يتنافى مع انتماء اليهود في إسرائيل إلى خليط من القوميات والأعراق المختلفة، والتي لا يكاد يَجمع بينها سوى الانتساب إلى الديانة اليهودية. سعَت الصهيونية باستمرار، إلى تحويل الديانة اليهودية إلى “عقيدة سياسية”، وهو الأمر الذي يُسيء إلى الديانة اليهودية ذاتها، ويجعلها تتحمّل وزر الجرائم المُتَتالية لإسرائيل، إضافةً إلى أن وجود دولة عنصرية على أُسُس دينية مغروزة في قلب العالم العربي، ومدعومة من أقوى دولة ديمقراطية في العالم، يمثِّل الأنموذج الأسوَأَ من استغلال الدِّين في سبيل السياسة، ويزيد من أسباب استفزاز النَّزَعات الدينية الصِّراعية في عالمنا العربي والإسلامي، ويجعل التوجُّه نحو التعدُّديّة والتنميَة أكثر صعوبةً وتعقيدًا. (تعددية)