موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩

يسوع يولد من مريم المخطوبة ليوسف ابن داؤود

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

الأحد الرابع من المجيء (متى 1: 18-24) إن عيد الميلاد هو أكثر من قصة جميلة تخبرنا أن الله قد أصبح واحدا منا قبل أكثر من ألفي سنة. وهي أكثر من خرافة، تحكي لنا عن ميلاد طفل عجيب، رفرفت الملائكة فوق مذود مولده، وإذ سمع الملوك خبر ميلاده ارتعدوا وخافوا منه على ممالكهم وعملوا ما عملوا ليتخلصوا منه. لا، عيد الميلاد قصة واقعية اشتركت فيها السماء والأرض، لتتم وتصير حقيقة، كما سردتها لنا الأناجيل. إن قصة ميلاد هذا الطفل غريبة عجيبة لا مثيل لها في التاريخ، ولولا أن الله أوحى بها لما خطرت على بال أحد منا. هذا الطفل له أمّ كباقي الأطفال. لكن قصة الحبل به، لأنه مخلص البشر، تختلف جملة وتفصيلا عن طريقة الحبل بأي طفل آخر. مرجعنا الأساسي لفهم ذلك هو الرجوع إلى الكتب المقدسة، التي ذكرتها لنا وأعطتنا تفاصيل عنها. هذه التفاصيل تبدو غريبة وغير واقعية. فلو لم تذكرها الكتب المقدسة لكانت مجرّد خرافة سحرية تُبهِج الأطفال، لكن لا عقيدة من أهم عقائد الإيمان. غرابتها مذكورة في انجيلي لوقا ومتى، ولكن كلٌّ منهما يسردها لنا مختلفا عن الآخر وذلك على ما نُقلت له. الإختلاف ليس بالجوهر لكن بالوصف. ففي لوقا مثلا، لا ذكر لاطّلاع يوسف على الخبر، مثلما سمعناه قبل قليل عند متى، الذي يهتم بتفهيمها للسامعينن، فهي له رسالة سماوية، يوصلها رسول سماوي إلى مريم. فإن دلّ ذلك على شيء، فعلى عظمة هذا الحدث، إذ هو ليس خبرا عابرا، بل تقرير إلهي، كما سيقول الملاك جبريل: ليس أمر مستحيل عند الله. ومن ناحية ثانية هو تعظيم لدور مريم، حوّاءِ الجديدة، في تخطيط الله تعالى، عندما قرر أن يرسل لنا مخلصا بعد خطيئة أدم: سأرسل لكم مخلصا من نسلكِ. التساؤلات كانت كثيرة. متى سيأتي وكيف يكون شكله؟ من هنا تساؤلات التلاميذ. هل أنت الآتي أم ننتظر آخر؟ ممّا لا شك فيه أن طريقة وصف متّى للحدث العظيم هي غير طريقة وصف لوقا، إذ هي ليست وحيا حرفيا أوصلها كلٌّ منهما لنا بلغته هو كصحفي. كما وعرّف عليها كلٌّ منهما جمهوره الذي كتب له أو بشره بالخبر بطريقته. وكل منهما يريد أن يبرهن لسامعيه، حقيقة ما كتب وكرز به، وهو: من هو هذا المخلص المنتظر. هذا وإن متى يسوق لنا نصا من النبي الكبير أشعيا يؤكد لنا ذلك: "ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنا..."وبهذا يؤكد لنا أن يوسف ليس والد هذا الطفل. ومن هنا إعلامنا أن يوسف قد اطّلع على هذا الخبر من قبل ملاك ورسول سماوي. هذا وبالتالي إن التعرّف على هذا المولود هو مسألة إيمان. فهذا الطفل الذي تنتظره مريم هو من الروح القدس، كما نصلي في قانون الإيمان: "وحبل به من الروح القدس". وبهذا التأكيد يبرُز اعتلاءَ مصدرِه وهويَّتِه ومقامِه ومستقبلِ رسالتِه بين البشر على الأرض. وإننا لَنكتشف بين سطورهم، عمق إيمانهم الذي حاول كلٌّ منهما إيصاله لمستمعيهم، وهذا في نصف القرن الأول وفي بداية التبشير التي باشروا بها رأسا كما أمرهم المسيح بعد انتهاء مهمته وصعوده إلى السماء: إذهبوا وبشروا كل الأمم. فالإختلاف بينهما ليس في جوهر الرسالة إنما في الإيطار أي الوصف الخارجي وفي الجمهور الذي بشروه. نعم الإختلاف قائم في الإيطار الخارجي فقط. هناك مثل بسيط يفهمنا ما قلت: صورة نضعها في بروازين مختلفين لا أكثر ولا أقل. فالصورة بحد ذاتها لا تتأثر من البرواز الذي نضعها فيه. هكذا وصف هذا الخبر من إنجيليين مختلفين، يبقى خبرا كبيرا، مصدرُه الله الذي أعلمنا به على يد مرسَلِه جبريل. المهم للإنجيليين إعلام المستمعين أن الله يقترب من البشر، وذلك بابنه هذا، الذي سيلد من عذراء، وفي الوقت ذاته يبقى ابنَه، أي ابن الله. "إله من إله". فيه تتجلى محبة الله للعالم "هكذا أحب الله العالم حتى إنّه بذل بابنه الوحيد". إن العهد القديم لا يملُّ من الإعلان والترديد والتكرير، أنّ الله أمينٌ، بوعده وحبه للجميع ولكل فرد. بينما كانت قصَّةُ الشعب كلها خيانة وعدم الأمانة للعهد الذي عقده مع ربّه. وعندما قرر الله أن يخلص العالم، تقدم ابنه بكل طاعة أمامه قائلا "إن نعيمي بين البشر، فها أنا أرسلني!". الملاك قال لمريم ستحبلين بابن وتسميه يسوع، لأنه هو الذي سيخلص الشعب من خطاياه. فها هو إذن يأتي تحت اسم المنقذ والمخلص. فالإسم هو في الوقت ذاته الوظيفة. إذ وظيفته هي تحرير الشعب من خطيئته، وتجديد العلاقه المفقودة مع ربه، تلك العلاقة التي كانت سائدة قبل سقوط الإنسان في الخطيئة. هذا لن يتم إلا على يد الطفل الذي سيلد في مغارة بيت لحم، والذي اسمه عمانوئيل أي الله معنا، فهل نفهم نحن هذا الشرف؟ في بداية كل قداس يتمنى الكاهن للحضور أمامه بقوله. ألرب معكم! فإن دلت هذه الأمنية على شيء، فهي التأكيد على وجود الله بيننا. وهذا تأكيد محتوى البشارة، أي أنّ المسيح هو نور الأمم وخلاصهم، فهو سكن معهم وسيبقى نورُه ساطعا لهم، على طرقهم ليروه ويتبعوه. يُقال أن بوذا، إله الهند النابغ الكبير، كان كل مرّة يُسْال أن يقول شيئا عن الله، كان يضع يده أمام فمه ويُغمض الجفن احتراما. تُرى لو سوئلنا أن نقول شيئا عن المسيح المنتظر، ماذا كنا نفعل؟ هل سنضع إصبعنا أمام فمنا، لأننا لا نعرف شيئا عنه؟ أم لنؤكد إيمانيّا أنه هو المسيح المخلص. بل هو مخلصنا. هذي هي رسالة الأحد الرابع للمجيء. فما بقى علينا الآن إلاّ أن نهيء قلوبنا وعالمنا ليلد فيهما، هو المخلص. آمين