موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٥ ابريل / نيسان ٢٠١٧

وجدتُ ما كنتُ ابحثُ عنه

بقلم :
الأب سالم لولص - الأردن

وكانَ الجُباةُ والخاطِئونَ يَدنونَ مِنه جَميعاً لِيَستَمِعوا إِلَيه. فكانَ الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبَةُ يَتَذَمَّرونَ فيَقولون:"هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم!" فضرَبَ لَهم هذا المَثَلَ قال:"أَم أَيَّةُ امرَأَةٍ إِذا كانَ عِندَها عَشرَةُ دَراهِم، فأَضاعَت دِرهَماً واحِداً، لا تُوقِدُ سِراجاً وتَكنُسُ البَيت وتَجِدُّ في البَحثِ عنه حتَّى تَجِدَه؟ فإِذا وَجَدَتهُ دَعَتِ الصَّديقاتِ والجاراتِ وقالت: إِفرَحْنَ معي، فقد وَجَدتُ دِرهَمِيَ الَّذي أَضَعتُه! أَقولُ لَكم: هكذا يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوب"(لوقا15: 1-3/ 8-10). قصة أُخرى تُحاكي واقعنا المعاش اليوم، نجد أنفسنا أمام بيتٍ فلسطيني عربي قديم مكون من غرفة واحدة قليلة الارتفاع مع أرضية من تراب. امرأة فقيرة لا تملك سِوى عشرة دراهم، بالنسبة لها الدرهم مهم جداً لانها من خلال هذه الدراهم تعيش وتقي نفسها. فمسكت المكنسة وبدأت تكنس ولكن البيت مظلماً فلم تكن الرؤية واضحة، فذهبت وأوقدت السراج ليُنير لها الأماكن المظلمة في البيت، وأخدت تُكنس الأرض لكي تُحرك الحصيرة والأواني عليها لتجد الدرهم (كنزها). وها هي تجد درهمها الضائع ففرحت جداً وأصبحت ترقص وتغني ولكنها شعرت بأن هناك شيئاً ناقصاً وهو بأنها يجب أن تُخبر وتُنادي على الصديقات والجارات كما فعل الراعي ليفرحنَّ معها. فالمرأة هنا تمثل الكنيسة جسد المسيح، التي تضم إليها كل الذين يولدون بالعماد والذين يخلصون. والمرأة تُبين لنا رحمة الأُم على بنيها فإذا فُقدَ أحد أبنائها فإنها تَجدُّ في البحث عنه لتردهُ إلى البيت سالماً معافى لتردهُ بالتوبة بسراج الكلمة الإلهية كما يقول صاحب المزمور 119: "سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌ لسبيلي" (مزمور 119/105). وتُكنس البيت لكي تُبعد وتُقاوم أي شيء يمس أولادها، فتُقاوم كل مسٍ من الشيطان الذي يُريد أن يُبعدَ أولادها عن الكلمة الحقيقية وتطردهُ خارجاً، لأنّ مكانهُ ليس ههنا بل خارجاً في الظلمة البرانية حيث هناك البكاء وصريف الأسنان. أي أنّ عمل الكنيسة اليوم هو خلاص النفوس دون كدٍ وتعبٍ. نجد الدرهم مطبوعٌ عليه صورة الملك الذي كان يحكم آنذاك فكان يُمثل الدولة أي أن كل الدولة عليها أن تتبع مَلِكها وتؤدي الولاءَ لهُ. ولكنهُ هنا يمثل صورةَ الملك الحقيقي الذي خَلقَنا على صورتهِ ومثالهِ ولكننا فقدنا هذه الصورة عندما اتبعنا وسمعنا كلام الحية الملعونة ولم نسمع للكلمة الحقيقة التي تُؤدي بنا إلى الخلاص بل سمعنا الكلمة البشرية لا بل كلمة الشيطان الذي يريد أن يُبعدنا عن الله لنصبح له عبيداً كما اصبحنا نعبد الدرهم. فالنتيجة شُوهت صورتنا التي خُلقنا عليها. ولكن الله لا يبقى متفرج بما سيحصل بأبناءه بل أضاءَ السراج أضاءَ حكمتهُ بتجسدهِ بينا، فالمرأة تُمثل الله والسراج يُمثل نور الله وحكمتهُ لا بل نور المسيح الذي أضاءَ العالم بتجسدهِ وأعادنا إلى صورتنا الحقيقة بسرهِ الفصحي أي موتهِ وقيامتهِ من بين الأموات فجعلهُ الله رباً مسيحاً. من فرحها وتعجبها بأنها وجدت ما كانت تبحث عنه، فذهبت واخبرت صديقاتها وجاراتها قالت: "إِفرَحْنَ معي، فقد وَجَدتُ دِرهَمِيَ الَّذي أَضَعتُه". من هُنَّ هؤلاء الصديقات والجارات إلا القوات السمائية تدل على الأبرار، هؤلاء دائمًا بالقرب من الحكمة الإلهيَّة لأن النعمة تنيرهم بحضورها الدائم. لا بل أَقولُ لَكم: "هكذا يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوب"، فنجد الكنيسة جمعاء تفرح وتُهلل لإستجابة أولادها لدعوة التوبة والرجوع إلى الله. هذا هو فرح خدام الله والكنيسة الحقيقين والأمناء، هذا هو الفرح الذي تشترك فيه القوات السمائية وملائكتهُ بخاطىءٍ واحدٍ يتوب. إنَّ يسوع يُفهم تلاميذهُ أن الكنيسة التي يريدها، هي تلك التي تستقبل الخطأة، هي التي تجعل المال في خدمة قيم يُحبها الله، هي التي تتذكّر أنها تبتعد عن الله حين تنسى الفقراء. أجل، جاء الله من أجل الخطأة، لا ليسحقهم ويحكمَ عليهم فيستبعدهُم، بل ليأخذهم بين يديه، ويحملهم إلى بيته حيث يفرح الملائكة بتوبتهم.