موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر Sunday, 2 August 2020

وثيقة أبوظبي.. قبل كورونا وبعده

الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار وعضو مجلس إدارة مركز كايسييد

الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار وعضو مجلس إدارة مركز كايسييد

محمد السماك :

 

قبل الكورونا وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلاقات الأوروبية الأميركية بأنها في حالة «موت دماغي»، ذلك أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى يتولى الرئاسة الأميركية رئيس لا يشارك أوروبا تطلعاتها، ولذلك دعا ماكرون إلى:

 

أولاً: العمل على إنشاء قوة عسكرية أوروبية مشتركة وخاصة بها بدلاً من «الناتو».

 

ثانياً: الانفتاح المباشر على روسيا والصين، ليس تجارياً فقط، بل سياسياً أيضاً.

 

ثالثاً: الإقرار بأن الولايات المتحدة غيّرت أولوياتها العالمية، منذ الرئيس السابق أوباما، وخاصة في الشرق الأوسط. والدليل هو إحجام أوباما عن تنفيذ تهديده لسوريا بعد اتهامها باستخدام السلاح الكيمياوي ثم تخلي الرئيس ترامب عن الأكراد الذين تحالفوا معه واعتمدوا على دعمه ومساعدته.

 

رابعاً: انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة باريس الدولية حول البيئة.

 

خامساً: تخلّي الاقتصاد الأميركي عن مبدأ الحرية وتبنّيه عملياً مبدأ الحماية.

 

سادساً: تفشّي ظاهرة الاستبدادية في العديد من النظم السياسية بما في ذلك تركيا وروسيا. وحتى في العديد من دول أوروبة الشرقية.

 

سابعاً: في الوقت الذي توجه أوروبا اقتصادياتها نحو التصنيع، فإن الولايات المتحدة والصين تعملان على تسريع تطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي ليكون أساساً في القوة الذاتية لكل منهما.

 

ثامناً: على أوروبا أن تتبنى سياسة عالمية تقوم على أداء دور الوسيط بين الولايات المتحدة والصين.

 

قبل «كورونا» وضع الرئيس الفرنسي المجموعة الأوروبية –في ضوء هذه المعطيات الثمانية التي حددها- أمام ثلاثة أخطار مشتركة: تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بالمبادئ التي تتمسك بها أوروبا. واستمرار الصراع مع الاتحاد الروسي (من الشرق). وتنامي التطرف الديني عبر المتوسط (من الجنوب) ومن الساحل الغربي لأفريقيا.

 

واقترح الرئيس ماكرون مقاربات للتعامل مع هذه المعطيات تقول:

 

أولاً: بالتخلي عن «الحلف المقدس» مع واشنطن.

 

ثانياً: بالانفتاح على الاتحاد الروسي (مما يبدد المخاوف التي يغني تبددها عن الحاجة إلى الحلف الأطلسي).

 

ثالثاً: بالتعاون مع دول جنوب المتوسط، والشرق الأوسط لاجتثاث ظاهرة التطرف من جذورها الفكرية.

 

ويستند الرئيس ماكرون في ذلك إلى قاعدة من ثلاث ركائز:

 

1- وثيقة أبوظبي حول الأخوة الإنسانية بين بابا الفاتيكان فرنسيس وإمام الأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب.

 

2- وثيقة مراكش حول المساواة بين مواطني الدولة الواحدة على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم (صحيفة المدينة المنورة).

 

3- بيانات الأزهر حول الحرية الدينية والمواطنة.

 

ولكن جاء وباء كورونا ليقلب سلّم الأولويات والاهتمامات رأساً على عقب، ولو إلى حين. ذلك أن عالم ما بعد كورونا هو غير عالم ما قبلها. فالعدو غير الحي، وغير المرأي، دمّر اقتصاديات أوروبا والولايات المتحدة معاً. وهزّ أركان الصين والاتحاد الروسي. وأعاد العالم كله إلى ما كان عليه بعد الحرب العالمية الثانية، ليس اقتصادياً فقط، ولكن معنوياً واجتماعياً أيضاً.

 

وبالنسبة للرئيس ماكرون فإن استراتيجيته القائمة على أوروبا متحدة، ومتحررة من، وعن الولايات المتحدة اصطدمت بتصدع الاتحاد الأوروبي من الداخل (رد الفعل الإيطالي والإسباني، وقبله الانسحاب البريطاني –بريكست).

 

قبل كورونا كان الرئيس ماكرون يدعو زملاءه رؤساء دول الاتحاد للعمل معاً من أجل مواجهة مخاطر المتغيرات التي كانت تعصف بالعلاقات الدولية، غرباً عبر الأطلسي، وشرقاً عبر الأورال وجنوباً عبر المتوسط. أما الآن، وبعد كورونا، فإن الرئيس الفرنسي كغيره من الرؤساء الأوروبيين، يحاول جاهداً أن يقف على رجليه بعد عاصفة التسونامي من وباء كورونا الذي اجتاح العالم كله شرقاً وغرباً وأفرز عالماً جديداً، ربما يكون أكثر اضطراراً لإعادة قراءة وثيقة أبوظبي حول الأخوة الإنسانية.

 

(الاتحاد الإماراتيّة)