موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٥ مارس / آذار ٢٠٢٠

"والمسيح الحي"، كله خير

بشار جرار يكتب من واشنطن عن "تجربة" كورنا

بشار جرار يكتب من واشنطن عن "تجربة" كورنا

بشار جرار :

 

أبحاث كثيرة كتبت عن سر نهوض الأمم ونكوصها، لكن كلمتين قد توجزا سر النجاح الأميركي الباهر وفقًا لمقاييس التاريخ البشري. هاتان الكلمتان هم ميزتا المرونة (بمعنى القدرة على التأقلم وتحويل التحديات إلى فرص) والإبداع (ليس فقط التفكير خارج الصندوق بل إلى ما وراء الحدود وعبر الآفاق).

 

أحسن الرئيس الأميركي صنعا بأن عهد إلى نائبه مايك بنس برئاسة خلية الأزمة الخاصة بالانتصار على هذا "العدو الخفي". فإلى جانب تأييدي كجمهوري محافظ لترامب، أشعر بثقة إضافية خاصة ببنس الذي لم يخف من تنمر البعض خاصة في الوسط الإعلامي "الليبرالي المتطرف"، وحرص على بداية عمل فريقه بالصلاة والدعاء إلى رب العالمين بأن يعين أميركا والبشرية على قهر جبروت هذا الفيروس اللعين.

 

وعلى نحو غير مسبوق، انفتحت محطات التلفزة على اختلاف توجهاتها، على ما حفلت به منصات التواصل الاجتماعي من مواد خلاقة سواء بنشر التوعية الصحية أو رفع الحالة المعنوية للناس. من بين تلك المواد المصورة بجوال محبّ أو مجرد فضولي كان اعتراف في فناء كنيسة يحفظ مسافة المترين بين المؤمن المعترف وهو داخل سيارته حاملا هاتفه الخليوي والكاهن العامل بسر الاعتراف الجالس وبيده هاتفا آخر على مقعد بسيط. صورة تبدو أنها محاكاة لإحدى توصيات خلية الأزمة التي دعت إلى تنظيم عمليات المسح الموضعي المخبري للحلق في الكراجات العامة المفتوحة، عوضا عن التوجه إلى أقسام الطوارئ، حرصا على تفرغها لما هو أكثر مدعاة للرعاية المباشرة.

 

بصرف النظر عن مدى إيماننا أو تفهمنا لسر الاعتراف كأحد أسرار الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والأنجليكانية، فإن المسيحيين كافة، لا بل والمؤمنين من مختلف الأديان، يعلمون المكانة الأخلاقية والتربوية الفردية والاجتماعية لثقافة الاعتراف، وما يتلازم معها اشتراطيًا من ممارسة التوبة عملا لا قولا.

 

وكمحب للسينما الأميركية ما زلت أذكر أفلام الحرب الباردة وما عرف بـ"كبسولة الزمن" حيث توضع رسالة في قارورة تدفن في مكان معلوم على أمل استخراجها يوما ما. الفكرة التي أبدعتها ثقافة العم سام تشير إلى الرغبة بنقل الحكمة من جيل إلى آخر في حال وقوع كارثة نووية لا قدر الله، وفي حال مشيئة رب السلام بانقشاع غيوم الحرب الساخنة والباردة، يكون بإمكان الجيل المقبل الاتعاظ بما مر به السلف من ظروف – بحلوها ومرها.

 

فها أنا أستلهم من هاتين الصورتين اعترافًا مفتوحًا وعن بعد –عبر سبعة آلاف ميل– أقول فيه وبلا واسطة لرب العالمين: سامحنا يا الله على خطايانا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ولا الطغاة، خاصة أولئك الذين يحجرون على ضمائر وعقول من خلقتهم أحرارًا.

 

وبثقة أحبتنا الأقباط المصريين وبقسمهم العفويّ الجميل –مسلمين والمسيحيين– أقول: والمسيح الحي، كله خير.. اعترافي هو: والمسيح الحي.. أما رسالتي في كبسولة الزمن فهي: كله خير..