موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

والخلائق تسبح بحمده "الكراسي"

بقلم :
المونسنيور بيوس قاشا - العراق
والخلائق تسبح بحمده "الكراسي"

والخلائق تسبح بحمده "الكراسي"

 

نعم، المخلوقات، مهما كانت صغيرة وتافهة، تعكس بطريقة أو بأخرى، حكمة ومحبة ورسالة... وكلما كان الإنسان صالحاً وخالياً من الأنانية والكراهية، وجد سهولة في فهم المعنى العميق لحوادث الحياة اليومية. فالقلب إذا ما خلا من الأنانية والكراهية، أمتدّ تبصّره إلى عمق أعمق وأبعد، لأنه لا يتوقف عند سطحية الأمور، بل يفحص كل شيء ليصل إلى الغاية المنشودة والتي من أجلها كانت رسالة الله في المسيح الحي، والتي فيها علّمنا ودرّبنا ورسم لنا طريقاً واحدة تقود إليه، وجعل الدنيا وما فيها من أجلنا عبرة ولغة وحقيقة.. وما الحقيقة إلا الله. فها هي المخلوقات تقودنا إلى الأمور العظيمة رغم الحواجز والفشل، وإلى الاستسلام لإرادة الله لأنه الخير الأسمى والعبرة السامية والغاية القصوى. فعبرَ مقالات من "والخلائق تسبح بحمده" أُدرج هنا مخلوقات تعكس لنا ولكم محبة ورسالة وحقيقة.

 

الأساتذة عادةً يقضون معظم أوقات دوامهم جالسين أمام اللوحة واليوم أمام الحاسوب، وكذلك طلبة المدارس. والقضاة يجلسون عندما يصدرون أوامر الحكم على المجرمين بالإعدام. رؤساء الدول والمعابد  والحكومات والمعابد يتربّعون على كراسي الحكم والمناصب، والملوك والأباطرة وكبار الزمن يتبوّءون سَدّة العرش، والذي لا يزول ولا يتغير وكأنهم آلهة الزمان وأصنام الحياة في قصورهم ومجالسهم.

 

وفي الكنائس، المسيحيون يجلسون على كراسي ومصطبات عندما يستمعون إلى موعظة واليوم يلازمون بيوتهم بسبب الكورونا ويتابعون الصلاة عبر ألفيسبوك والأون لاين، ولا شيء أكثر تفاهة من الكراسي والمصطبات، ولا أقلّ إيحاءً وإلهامًا منهما. يحصل لي مراراً إنني أصلّي وأنا جالس على كرسي، ولكن لا يحدث أبداً أن يتّخذ أحدٌ الكرسي موضوعاً للتأمل، خوفاً من كونه مصاباً بآية دنيوية أصدرها رجال الزمن وكبار الكراسي والحكم .

 

نعم، الكراسي تافهة جامدة، وهي خرساء وطيّعة. كراسي غرفة الاستقبال وغرفة الطعام، كرسي طبيب الأسنان، الكرسي الذي يجلس عليه خادم البيت، كلها مصنوعة من نفس مادة الخشب وليس فيها ما يشدّ الانتباه. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن قلتَ لنا يا سيدي أنكَ جالسٌ عن يمين الله الآب؟ (متى 44:22)، ولماذا سفر الرؤيا يشبّه السماء الواسعة بكرسي في الوسط والله جالس عليه؟ (رؤ2:4)، ولماذا تتغنّى المزامير بأريكتكَ الكبيرة التي أعدَدْتَها منذ بداية الأجيال؟ ولماذا قلتَ لتلاميذكَ يا سيدي أنكَ سوف تحتفظ لهم "بكراسي في ملكوتكَ" (متى 28:19)، ولماذا قلتَ لأبنَي زَبَدَى بأن الآب وحده هو الذي سوف يجلسهما عن اليمين أو عن الشمال؟ (متى21:20).

 

ألستُ غبياً وقريباً من الوثنية عندما أفكر ما للكرسي من سمات التقوى؟. إن كرسياً بسيطاً يذكّرني بجميع الذين جلسوا عليها: من متى العشّار الذي دعوتَه عندما كان جالساً على طاولة الخزائن (متى10:9)، إلى حنان وقيافا والى بيلاطس البنطي الذي أعلن حكم الموت عليكَ وهو جالس على كرسي القنصلية  التي لا تفنى؟ (متى11:27). وثمّ تلاميذكَ الذين كانوا جالسين عندما حلّ عليهم الروح القدس في العنصرة. وأنتَ نفسكَ يا سيدي، أنتَ الكلمة المتجسد، فادي البشر، لقد نزلتَ إلينا من السماء وجلستَ بيننا كواحدٍ منا، ولكن "وديعاً ومتواضعاً" (متى 29:11).

 

الكرسي الذي أجلس الآن عليه في غرفتي يذكّرني بكل ذلك، كما يذكّرني بجميع الذين يجلسون على كراسي الرحمة وليس كراس الحكم  من مُقعَدين ومشلولين وجرحى منتظرين ساعة الرحمة والفرج، وبجميع إخواني وأخواتي الجالسين والجالسات على مقاعد العمل في المصارف والدوائر والمعامل لكسب لقمة العيش، أو في المـدارس والكليات لتحصيل العلم، وبجميع المسنّيـن في دور العجزة الجالسين على أرائك طويلة ينتظرون خاتمة حياتهم المليئة بالآلام والأحزان. ويذكّرني أيضاً بجميع الذين لا يملكون سوى الحضيض لأجل الجلوس والرقاد، حيث أن الكرسي يُعتَبَر لهم بمثابة أثاث ترف وكماليات.

 

إن تقديم كرسيٍّ إلى شخص للجلوس عليه يعتبر سمة من سمات حضارتنا المعاصرة واحترامنا الكبير، ولكن المعنى المسيحي الكامل لهذا العمل البسيط يأخذ كامل دلالته في المحبة التي تجمع بين قلوب البشر الذين جلستَ معهم عندما تجسدتَ وأصبحتَ واحداً منهم (لو7:2)، فسكنتَ بينهم ولم تبالي بكراسيهم، كما هو اليوم حال كبار دنيانا، بل "بخلاص نفوسهم"، وأخذت تعلمهم وتتحنن عليهم، فشفيت مرضاهم وخطاياهم، ومنحتهم الثقة والمحبة، فأخذوا يفتشون عنك، لانهم لم يعد يخافون منك لانك منهم، فقد أحبوك فصاروا لك، إنهم مؤمنيك" (متى 13:13-14) لانهم ادركوا ان دنياك لا كرسي لها ولا مصلحة بل خدمة وتفانٍ ممزوجان بعصير الحب الالهي وليس الحب الاناني والشخصي (لوقا 22:27)، نعم يارب، نعم وآمين.