موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٨ أغسطس / آب ٢٠٢٠

هوذا نحن صاعدون إلى أورشليم

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
يسوع بدون الصليب هو ليس يسوع، إذْ به فقط يمكننا أن نعطيه لقب مخلص

يسوع بدون الصليب هو ليس يسوع، إذْ به فقط يمكننا أن نعطيه لقب مخلص

 

الأحد الثاني والعشرون (متى 16: 21-17)

 

الحياة مليئة بالمناقضات والمعاكسات. الضوء والعتمة هي مناقضات دائمة، كالحياة والموت، كالفرح والحزن. وبين البشر، كم وكم من المناقضات، فها اليوم نكتشف مناقضة كبيرة بين أفكار بطرس وسيده يسوع. بعد أسبوع فقط من مديح يسوع لبطرس، الذي ناب عن باقي التلاميذ وعن المستمعين، بجوابه على سؤال سيده: من أنا لكم ولهم؟ فقال بطرس: أنت المسيح ابن الله. جواب إيمان عميق ودائم، وعلامة محبّة بلا حدود. لكن يا للعجب، ها يسوع يثور بشدّة، على موقف بطرس الشجاع، الذي يريد أن يمنع سِّيَده من الذهاب إلى أورشليم، ليُسلم فيها للرّومان والفريسيين ويقتلونه. نعم يثور يسوع على بطرس وينعته بالشيطان

 

في الحياة هناك قواعد أصولية للجدال وتبادل الآراء. أهمها الإستماع أوّلا لرأي الآخر، والقبول به، دون الموافقة عليه أو الإقتناع بمحتواه. فهذا علامة احترام وحسن نيّة تُجاه المُحاور. فهل يسوع ما كان مُطَّلِعا على هذه القواعد، ونساها عندما أبدى بطرسُ اليوم رأيه، بقضيّة موت سيّدِه؟ هل نسينا مديحه الأسبوع الماضي لنفس لبطرس؟ فكافأه يسوع واختاره رئيسا لكنيسته بقوله: أنت بطرس الصخر، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي؟ والآن ليس فقط إنّه لا يريد الإستماع إلى رأيه، بل وينعته بلقب الشيطان أي العدو؟. لمّا كان يسوع يمشي على الماء وسأله بطرس: من أنت؟ طمأنه يسوع وقال له: تعال إليّ! وأمّا اليوم فيقول له العكس: إذهب عني يا شيطان! فماذا جرى؟؟

 

نحن نعرف، أنَّ بطرس كان مِن أوّل المرافقين والمعجبين بهذا الشاب، ابنِ النّاصرة، قد رأى فيه آمال الشّعب الكثيرة حوله تتحقق. هو شاب جريء لا يخاف من إبداء رأيه، حتى أمام الكتبة ورؤساء الشعب والفريسيين المتعلِّمين. هذا ومن بداية ظهوره بين الشعب لم يصمت من الدّفاع عن حقوقه المهضومة، كما ومع الوقت، اظهر اهتماماً فائقا، بالمرضى والخطأة والفقراء. شاب كان في مقتبل العمر، تتجسّدُ فيه كلًّ هذه الصّفات والمؤهَلات. فمن الأكيد، أنَ وظبفةٌ كبيرة تنتظره، وسيلعب دوؤاً مُهمّاً في زمانه، وهو أهل له. "كل الشعب يتبعه، وقد التف حوله جماعة كانت تريد أن تنادي به ملكاً. وبينما افتكر أتباعه أنّه وصل هدف حياته، وراحوا يتنافسون فيما بينهم بأنه على وشك تأسيس مملكة جديدة قويّة، على غرار مملكة أبيهم داؤد الكبيرة، فألمحوا له عن استعدادهم لإشغال وظائف مُهمة وتحمّل مسؤوليات معه. لكن فجأة يُبْهِتُهم يسوع بخبر غير متوقَّع ولا معقول: هوذا نحن صاعدون إلى أورشليم، حيث سأُتألم وأموت. خبر كالصاعقة لهم. هذا ومن لا ينفعل، عندما يسمع هذه المفاجأة. وهل نلوم بطرس على شجاعتِه وحماسِه بل وعزمِه للوقوف إلى جانب سيّده للدفاع عنه ومنعِه من أن يُسلم ويُقتل؟ بردّة فعله المفاجِئة الحماسية، يريد أن يمنع سيده فعلاً من الذّهاب إلى أورشليم، حتى وإنْ اصرّ هذا على الذّهاب إلى هناك، فهو سيستلُّ سيفه قبل الأوان، ليدافع عن سيّده. وايِّ شرٍّ في هذا الموقف الحماسي الشجاع؟ .. وهل لو كنا نحن هناك، أما كنا نتحمّس كبطرس، ونُظهِر نفس موقف الدّفاع هذا؟ حاشى لك يا سيّدي أن يمسكوك ويقتادوك للقتل، وأنا حواليك. فمن لا يفهم ردَّة الفعل عند بطرس، في لحظة الإنفعال هذه، ويدافع عن موقفه؟ أما موقف يسوع فهو أيضا واضح. هو لا يريد أي معارضة في تتميم إرادة أبيه. فرغم حسن نيَّتِه لبطرس، لا يريد يسوع تغيير ياءٍ أو نقطة في تصميم والده الآب، أي التّضحبة بنفسه فداءً عن البشر.

 

تجربة بطرس ليسوع، تشبه تجربة الشيطان له بعد صومه، حيث دنا منه المجرّب، ووضعه في مأزق، لما سأله إِلقِ بنفسكَ من جناح الهيكل، فمكتوب أن رجلك لن تصدم بحجر! فردعه يسوع بنفس الكلمات التي ردع بها بطرس: إذهب عني يا شيطان! فأنت لي حجر عثرة! ويوضح له السبب: لأنَّ أفكارك غيرُ أفكار الله، بل أفكار البشر.

 

نتساءل نحن اليوم: لماذا جرى سوء التفاهم هذا؟ فنجد الجواب عند يوحنا الإنجيلي حيث يقول:" لأنّهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب، أنه ينبغي أن يموت ويقوم" (يو 20. 9).

 

إن طريق يسوع، كان مرسوماً له مُسبقاً من أبيه، ولذا فهو يريد أن يسيره إلى آخره، على الرغم من أنه يعرف، كم سيُكلِّفه ذلك من عناء وآلام. فهل نسينا حالته النفسية في بستان الجسمانية: إنّ نفسي حزينة حتّى الموت... وابتعد عن الرّسل وراح يُصلي إلى أبيه:" يا أبتاه! إن أمكن فلتعبر عنّي هذي الكأس"(متى 26: 36-39).

 

هو بملئ إرادته، يريد أن يسير طريق الآلام حتى نهايته، ويبذل نفسه حُبّاً بالبشر، لأن مصالحة البشرمع أبيه، لا تتم إلا بهذه الطّريقة. هو حمل الفداء، الذي بدمه فقط تُغسل خطيئة أدم وخطايانا العديدة. وإنَّ عَصْرَ تقديم الذبائح التكفيرية، قد زال وقتها من يوم قال لأبيه: إنَّ نعيمي بين البشر، هوذا أنا أرسلني! فطريقه غير الطريق التي افتكرها بطرس، بل هي طريق الله الآب، التي لن تنتهي بموته بل بقيامته وصعوده إلى السّماء، وبالتالي بجلوسه عن يمين أبيه مُمجّداً.

 

المسيح إذن، ليس فقط شخصية عالمية بمستوى الكسندر الكبير أو القيصر أغسطس أو نابليون. بل يختلف عن كل الشخصيات. حتّى وإنْ كُتِب عنه الكثير، وأُعطِيَ ألقابا عديدة، وقيل عنه بالأكثر للتعرّف عليه. لكن واحدا لا يجوز أن ننساه: إن لم نقل عنه، إنّه تألم ومات وقبر وقام وجلس عن يمين الآب، فكل ما كُتب وقيل، لا يُفسِّرُ لنا سرّه ولا نقدر أن نسمّيه المخلِّص. لذا نقول مُجدّداً هو رفض طريق بطرس، لأنه طريقٌ مسدود، لا خلاص فيه للبشر. أما قال هو: الّذي يريد أن يُحلّص نفسه يخسرها؟.... فالكأس التي أعطاني إياها أبي، ألا يجوز لي أن أشربها؟.

 

يسوع بدون الصليب هو ليس يسوع، إذْ به فقط يمكننا أن نعطيه لقب مخلص. وأنا إذا ارتفعتُ على الصليب، جذبْتُ إليَّ الجميع. وفقط من يقبل بالصليب، يستطيع أن يكون تلميذا ليسوع. ألصليب جهالة عند الرّومان واليهود، هو حبل المشنقة المعروفة في ذلك الزّمان، وليس كرسي المشنقة الكهربائي السريع، وأمّا عندنا نحن المُخلّصين فهي قوّة الله(1 كور 1: 18). بهذه العلامة انتصر يسوع على الشرّ، وسننتصر نحن أيضا معه، إن قبلنا أن نحمله ونتبعه. إذ من أراد أن يكون لي تلميذا، فليحمل صليبه كلَّ يومٍ ويتبعني. آمين

 

رحلة يسوع الآخيرة إلى أورشليم

 

رَغْـمَ كُـلِّ مـا قُلْتَ وَعَمِلْتَ وعلَّمْتَ مـا أخْفَيْتْ

أنَّ نِهايةَ حياتِكَ فـي القُدْسِ ثلاثَ مرّاتٍ تَنبِّيت

 

هــوذا نحنُ صـاعِدونَ تَوِّاً إلـى أورشـليم

حَيْثُ الشّعبُ سَيَثُـورُ عَلَيَّ لِمَوْقِفي السّليم

 

سَيَقْبِضونَ عَلى ابْنِ الإِنْسانِ الْواقِفِ بينَكُم

سَيَجْلِدونَهُ وَيَشْتِمونهُ وَلَنْ يَفْتَحَ فاهاً لِحبِّكُم

 

سَيَموتُ عَنْكُمْ وَعَـْن جميعِ الخاطئينَ أولادِ آدم

لَكِنَّهُ فِي الْيَوْمِ الثّالثِ سيقومُ مُنْتَصِرا على القَدَم

 

جِدالاتُكَ مَعَ عُلماءِ النَّاموسِ كَثُرَتْ وتعالَتْ

صَيْحاتُهُمْ واحْتِجاجُاتُهُمْ على تعليمِكَ تَطالَت

 

راحُوا يَتَرَصَّدونَ الْمُناسَبَةَ لَكِنَّهُمْ ما كانوا دَرُوا

أنَّ ساعَتَكَ مِنَ اللهِ مُقرَّرةٌ وليسَ مِنهُمُ،  َفَشَروا!

 

بَعْدَ كُلِّ أُعْجـوبةٍ كـانَ يزدادُ فَرِيـقُ المُؤمِنين

أمّا اليهودُ فَمَا يَهُمُّهُمْ إلاّ تَعدِّيكَ على القوانين

 

إِحْتَجَّ علـيكَ قَوْمٌ مِـنَ الفرّيسيّينَ المُتَعَصِّبين

فَقُلْتَ لَهُمْ ما أَتَيْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لأُتمِّمَ القوانين

 

شَفيْتَ أعمىً في أريحا وأنْزَلْتَ زكّـا العشّار

عَنِ الشّجرَةِ زُرْتَ نفسَهُ ونقَّيْتَهاِ من الأوزار

 

فأيُّ عَيٍبٍ فـي هـذهِ المحبَّةِ اللّامُتناهِيَةِ والتَّسامُح

حتّى يأخُذوا مِنْها حُجَّةً والنِّداءَ بِقَتْلِكَ كأنَّكَ جانح