موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

هل يجب ان يكون بطريرك القدس عربيًا؟

وديع أبونصار

وديع أبونصار

وديع أبونصار :

 

اعلن الفاتيكان أمس قرار البابا فرنسيس تعيين رئيس الاساقفة بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين. وقد يتساءل البعض لماذا لا يكون من أبناء البلد، من فلسطين أو الأردن، كما هو الأمر في كل بلدان الدنيا، حيث الأسقف يؤخذ من الشعب ومن أبناء الأبرشية؟

 

كلنا نفضل طبعا ان يرأس كنيسة القدس أحد أبنائها، ولكن للكنيسة ولكنيسة القدس خاصة مكانتها واعتباراتها التي تجعل حدودها المعنوية أوسع بكثير من حدودها الجغرافية. فهي كنيسة أم، كنيسة النشأة لكل مسيحيي العالم، ومن ثم مؤمنوها هم المسيحيون في العالم كله. ونحن أبناء أبرشية القدس والأرض المقدسة كلها، شرف لنا أن نكون أبناء الكنيسة الأم، ومؤمنين نصلي مع مسيحيي العالم.

 

ومن ثم لا نكبر كأبناء القدس والأرض المقدسة، إن حصرنا القدس في أنفسنا. ولا نكبر إن جعلنا من كنيسة القدس كنيسة وطنية. الكنيسة مؤسسة إلهية تناسب كل الأوطان، وتسمو فوق كل الأوطان. وفي هذه المؤسسة الإلهية كل المؤمنين متساوون في ما بينهم بغض النظر عن أصولهم الجغرافية أو انتماءاتهم القومية.

 

إضافة لذلك، فإن كنيسة الارض المقدسة تميزت على مر التاريخ بجاذبيتها للرهبان والراهبات من جميع اصقاع الارض الذين اتوا ليصَلُّوا فيها، وليخدموا الإنسان فيها، كل إنسان، أبناء الأبرشية وأبناء الوطن كله.

 

صحيح ان البطريرك أو المطران، أيا كانت الجغرافية التي أتى منها، هو من يرأس الكنيسة، لكن التعليم والواقع يقولان إن الرئاسة هي خدمة، والعكس هو انحراف. فالكهنة أيضا شركاء في الخدمة أي في الرئاسة، وكذلك العلمانيون إن أدركوا مكانتهم وعاشوا إيمانهم، هم أيضا شركاء.  فالكنيسة جماعة إيمان ومؤمنين، والمؤمن الصادق يجد مكانه في الخدمة أي في المشاركة في الرئاسة، أي في صنع القرار، إن آمن فعلًا، وجمع إلى إيمانه الحكمة والمحبة.

 

عندما تصبح الكنيسة مجموعة أناس مؤيدين أو معارضين، الكنيسة لم تعد كنيسة. بل هي جماعة من الناس، ابتعدت عن إيمانها وكيانها وهدفها. الكنيسة هي كل مؤمن فيها، الرئيس والبطريرك والكهنة والمؤمنون، يجمعهم إيمانهم. وبقوة إيمانهم ومحبتهم يحققون وحدتهم والمشاركة في إحياء الكنيسة، فيصبحون كلهم، وكل واحد وواحدة منهم، مصدر حياة لكل أبناء الكنيسة وللمجتمع التي توجد فيه.

 

عين البابا فرنسيس، رئيس الكنيسة على الارض، رئيس الاساقفة بييرباتيستا بيتسابالا بطريركا للقدس للاتين، وقد أخذ بعين الاعتبار الكنيسة المحلية والكنيسة الجامعة المرتبطة بكنيستنا، فلا تعني هذه الخطوة مستقبلا عدم العودة إلى تعيين أحد أبناء الأبرشية.

 

اليوم بعد تعيين البطريرك  الجديد، خير الكنيسة يقتضي تعاون الجميع، ووعي الجميع، والإيمان الجاد مع العمل الجاد، الكل معا، البطريرك والأساقفة والكهنة والمؤمنون في مختلف الرعايا، الكل يتعاون مع البطريرك الجديد من أجل وضع خطة عمل لتكوين إنسان مؤمن صانع لنفسه ولمجتمعه، صانع لإنسان يعرف نفسه ويعرف الله، ويعرف أن يتعاطى مع شؤون الأرض والسماء. الأساس في الكنيسة هو الروح، فإذا استقامت شؤون الروح استقامت شؤون الأرض أيضا، وإن غاب الروح وغاب الإيمان، مهما صنعنا أو قلنا، سنُبقِي الكنيسة بعيدة عن هدفها.

 

المؤمنون الصادقون مدعوون لان يعملوا معا لاستنهاض ايمان الناس بالاساس لأن الايمان هو الاساس وهو الذي يجلب القوة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية وغيرها من الامور الدنيوية، إلى جانب شؤون الروح. قال السيد المسيح: "أطلبوا أولا ملكوت الله وبره والباقي كله يزاد لكم" (انجيل القديس متى، الفصل 6، الآية 33). فالتحدي أمامنا اليوم وفي كل يوم هو كيف نطلب مكلوت الله. بطريرك جديد هو ليقود المسيرة ولنكتشف معه كيف يمكننا أن نطلب ملكوت الله وبره، فيزاد لنا كل ما يختص بشؤون الأرض.