موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٩ فبراير / شباط ٢٠١٥

هل ذُبحت إنسانيّة القرن الواحد والعشرين؟

بقلم :
مايكل عادل ماركو - المجر

قد ذُبح 21 مسيحي في ليبيا، وأكتفى البعض بإستنكار ما حدث، بينما رفض العالم قتل رسام الكاريكاتير الفرنسي وخرج رؤساء العالم في مسيرة تُعد الاولة من نوعها لاستنكار ما حدث من قتل وإرهاب. ولكن لماذا عندما يذبح 21 قبطي مسيحي ويتم تهجير جميع مسيحيو العراق، ويحرق طيار أردني، يكتفوا رؤساء هذه الدول بإستنكار ما حدث بدافع واجب وظيفي لإن هذا ما يتطلبه عملهم السياسي والدبلوماسي. وحتى الصحف الأجنبية إما أكتفت بكتابة ثلاثة أسطر عن الخبر أو لم يذكروا الخبر من الأساس. في رأي كمفكر وكاتب، عدد الأقباط المسيحيين الّذين قتلوا في ليبيا، الواحد والعشرون، يرمزونا إلى القرن الواحد والعشرين الّذي نعيش به اليوم. هذا القرن بالرّغم من كلّ إيجابيته والإختراعات الّتي توصل إليها الإنسان والتقدم الإلكتروني والتكنولوجي والنجاح في تخطي حدود الزمان والمكان، إلا أن خلال طريق التقدم هذا بدأ الإنسان يتناسى إنسانيته، يتنسى العلاقات الشخصية و يتنسى أهمية الإنسان الّذي خلقه الله كأعظم الخلائق، ونتيجة هذا يتم ذبح كلّ ما هو إنساني، كلّ ما هو مسيحي، كلّ ما هو أُسري، كلّ قيم تربط بالإنسان. إن قتل إنسان بهذه الطريقة الهمجيّة والوحشيّة سواء بالذبح أوالحرق، عمل لا يمتد إلى الإنسانيّة بأية صلة، ولا يصح أن أصف هؤلاء الإرهابيين بالبرابرة لكي لا أسقط في نفس الخطأ التاريخي الّذي يجهله البعض وأرتكتب نفس الإسائة للبربر كشعب مازال يسكنوا بشمال أفريقيا والمعروفون باسم (الأمازيغ). في حديثي مع أحد القنوات بالمجر قلت " إذا حدث هذا بدافع ديني أو تم إظهار أن هذا القتل باسم الله، فهذا الدين بكلّ تأكيد ليس دين من الله، لأن الله هو خالق وصاحب الحياة، هو معطي الحياة، ومن يقتل أية نفس بشرية يضع نفسه في مكانة ضد الله، وبالتالي القاتل ليس فقط قاتل إنما هو كافر بالله وبنعمة الحياة". أننا في الحقيقة غير متأكدين من المُمول لهذه الجماعات الّتي تقتل تحت اسم الدين- سواء داعش، بيت المقدس، القاعدة... لماذا يتصرفون بهذه الوحشية؟هل هؤلاء كائنات غير بشرية؟ لماذا هم متعطشين للدماء بهذه الطريقة؟ هل هم مرتزقة يقتلون بأجر؟ وأما الشيء الذي نيقنه أن هؤلاء للأسف سيعيشوا عبيد للمادة الفانية التي تنتهي برحيلهم، هؤلاء المجرمين سيخرجون من العالم ولن يذكرهم أحد، ليس لهم حياة أبدية، ويعيشون مختفين مجهولين مجرمين في حياتهم الارضية. أما الشهداء الذين استشهوا على يد هؤلاء المجرميين، فأصبحوا شهداء أمام الله ورفعهم الخالق لاسمى مرتبة، وأعتبرهم العالم أيضا شهداء للحق والشجاعة، شهداء الإنسانيّة والإيمان، وفازوا بالحياة الأبديّة. هذا هو الفرق بين القاتل الإرهابي وشهيد الإيمان. الإرهابي خسر نفسه وحياته وأبديت، أما شهيد الإيمان كسب محبّة وتعاطف الارضين ورُفع لمصاف القديسيين. الكنيسة عامة والكنيسة القبطيّة خاصة قدمت ومازالت تقدم شهداء للحفاظ على أجمل نعمة وهي نعمة المسيحيّة، وكمسيحي أؤمن أن المسيحيّة اسمى الأديان، المسيحيّة دين الانسانيّة، دين المحبّة دين التضحيّة دين الشهداء. دماء الشهداء الواحد والعشرين نداء إلى كلّ ضمير مازال يؤمن بالقيم الإنسانيّة، هذه الدماء ناقوس خطر لعالم اليوم، إن أرواح هؤلاء الشهداء لم تُقدم فقط من أجل المسيح وإنما من أجل الإنسانيّة أيضا. فلذلك عليكِ أن تفيقي أيتها الإنسانيّة، وأستيقظ يا كلّ ضمير إنساني لأننا بدون إحساس مرهف إنساني لم نعد بشر.