موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ مايو / أيار ٢٠٢٠

نُسَلِّمُ عَليكِ أمَّاه في شَهْرِك المَريمي

بقلم :
حنا ميخائيل سلامة نعمان - الأردن
ختام الشهر المريمي في كنيسة اللاتين في ناعور 2018 (تصوير: موقع أبونا)

ختام الشهر المريمي في كنيسة اللاتين في ناعور 2018 (تصوير: موقع أبونا)

 

نُسَلِّمُ عَليكِ أمَّاه ونُحيِّيِكِ في شَهْرِك المَرْيَمي المَجيد، ونستذكِرُ زحفَ حشد المؤمنين المُعتاد في كلّ عام إلى الكنائس والمزارات حاملينَ بِفَرَحٍ الورود والأزاهير ومُنْشِدِين تارةً: "إليكِ الوردُ يا مريم"، وتارةً: "عليكِ السلام بلا مَلل"، ومرَّةً: "سلامٌ، سلامٌ، لكِ يا مريم"، ومَرَّةً أُخرى: "في ظل حمايتك نلتجئُ يا مريم"، وحيناً:" مَجدُ مريم يتعظم". كانت تلك الأناشيد والتراتيل تُرافقها ابتهالات ترتفعُ فيتردَّدُ صداها في الفضاء إليكِ يا "مَنْ فُقتِ الشمس والقَمَرا" ضِياءً ونوراً!

 

أيَّتُها الممتلئة نعمة، تَستحقينَ أسمى التَّهْنِئات، وتستأهِلينَ أجَلَّ الإكرام وأعظمَ التقدير يا مثال الطاعة الحقيقية لمشيئة الآب الكُليِّ القُدرَة مُذ قُلتِ لِملاكِهِ المُبَشِّر "ها أنا أمةٌ للرب فليكن لي بحسب قولِكَ" تِلك الطاعة النابعة من إيمانٍ راسخٍ، ويقينٍ غير متزعزعٍ، وتسليمٍ مُطلقٍ، وقَبُولٍ بمشيئة الله الآب ومُخطَّطِه للخلاص والفِداء مِن خلال "شُعاع مَجده وَصُورة جَوهرِهِ".

 

تَستحقينَ أسمى التَّهْنِئات أمَّاهُ، وتستأهِلينَ الإكرام والتقدير، إذْ انتصر الإيمان فيكِ والرجاء، وتجّلَّى التسليمُ، وتغلَّب الصبر على ما واجَهْتِ في مَسيرة عُمُركِ مِن آلام وصعوبات وتحديات وأحزانٍ بَلَغَت أوْجَها حينَ "اجتازَ سيف الحُزن" قلبك الطاهر النَّقي التَّقي ساعةَ صَلْبِ ابنكِ يسوع المسيح، ولحظة طعنِه بِحَربَةٍ.. غيرَ أنَّ ذلك كله قد اسْتحَالَ وتحوَّلَ إلى فَرحٍ ونشائد شُكرٍ وتمجيدٍ فجر القيامة المَجيدة، وتجلَّى مُتسامياً أمام ناظِرَيْكِ مع صُعودِه إلى ملكوت الآب!

 

نُسَلِّمُ عليكِ أمَّاه ونُحيِّيِكِ في هذا الشهر المبارك من هذا العام. ليسَ مِن قلب الكنائس التي خَلَت مِن مَعشر المؤمنين، وليس مِن المَزارات المُشَيَّدة على اسمك المجيد الطاهر وقد باتت ساحاتها فارغة إنما مِن بيوتنا وحيث نكون.. لمُقتضياتِ ما ألَمَّ بعالمِنا كلّه جرَّاء ذلك الوباء الفتَّاك الذي حلَّ فعزَلَ الناس وقلَبَ موازيين الحسابات، ونسفَ البرامج والمخطَّطات وقطع الأرزاق وبدَّد الأمنيات!

 

إزاءَ هذا الذي حلَّ بعالمِنا ولا يزالُ، يَجُولُ في خاطري أمَّاهُ كَمْ انسَكَب الدمعُ مِن عَينيكِ، ومِنهُ ما كان ينحدرُ على شكلِ دمٍ زَكِيٍّ بين فترةٍ وأخرى وخلال سنوات غير بعيدةٍ من الآن وفي أماكنَ عديدة.. إخَالُهَا، بل جاءت لتنبيه إنسان العَصر مِنْ غَفلتِه وإيقاظهِ مِن كَبوتِه وتحذيرهِ كيلا يستمرَ في تعدِّيهِ على وصايا الله الآب وألاَّ يتجاهل قولك القُدُسي "مهما أمركم به- ذاك الذي جاء لخلاصِكُم- فافعَلوه". لقد هطلت تلك الدموع مع نداءات صَريحةٍ مِنكِ تدعو للتوبة وطلب المَغفرة إذْ رأيتِ الإنسانَ يُمعِنُ في إثْمِهِ وجَوْرِه وتكبُّرِهِ ويُغلِقُ مَسْمَعَيْهِ عن أنين الجَّوْعَى والفقراء والمساكين.  ليتَ الإنسان أدرك في حِينه مغزى تلك الدموع فسارع للتوبة والندم.. على كُلٍ فباب التوبة مفتوح لمن يشاء قبل طُوفانٍ جديد!

 

 يا أمّ المراحم الدائمة تشفَّعي فينا إلى المسيح له المجد بما أُعطيتِ مِن إنعامٍ سماويٍ فأنتِ منارةَ الرجاء وأمَلَ الآملين حينَ تنسَدُّ الآفاق وتُوصَدُ الدروب على ضيقِها!

 

Hanna_salameh@yahoo.com